الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٥٢
الاطلاع على الاجماع المنعقد بعد زمن الصحابة مطلقا وغرض المعترض إمكان الاطلاع عليه بطريق النقل فالتدافع واضح نعم لو أراد المعترض بيان إمكان الاطلاع على الاجماع المنعقد في زمن الصحابة بطريق النقل لم يكن لاعتراضه مساس بكلام القائل لكنه غير صالح لهذا التنزيل وأما في الاعتراض فلان قضية ما ذكره القائل من كثرة العلماء وانتشارهم في أقطار الأرض إن تم وصلح دليلا على منع إمكان الاطلاع على أقوال العلماء بغير طريق النقل كما هو ظاهر الاعتراض لصلح دليلا على منع إمكان الاطلاع عليها بطريق نقل الآحاد أيضا فضلا عن النقل المتظافر إذ ليس الإحاطة بنقل الوسائط في العقل والعادة أولى من إحاطتنا بالأقوال فالمنع من إمكان الثاني في مرتبة المنع من إمكان الأول وأما في أصل الدعوى فبأن الاطلاع على الاجماع في غير زمن الصحابة بالوقوف على أقوال المعروفين و لو بطريق النقل وعلى أقوال الباقين ولو بطريق الحدس من حيث وضوح المدرك وظهور المسألة مما لا يكاد تناله يد التشكيك فمنعه شبهة في مقابلة الضرورة فلا يلتفت إليها ثم إن صاحب المعالم قد اقتفي أثر هذا القول فقال الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الاجماع في زماننا هذا وما ضاهاه من غير جهة النقل إذ لا سبيل إلى العلم بقول الامام كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله مستورا بين أقوالهم وهذا مما يقطع بانتفائه فكل إجماع يدعى في كلام الأصحاب مما يقرب من عصر الشيخ إلى زماننا هذا وليس مستندا إلى نقل متواتر أو آحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم فلا بد من أن يراد به ما ذكر الشهيد رحمه الله من الشهرة وأما الزمان السابق على ما ذكرناه المقارب لعصر ظهور الأئمة عليهم السلام وإمكان العلم بأقوالهم فيمكن فيه حصول الاجماع والعلم به بطريق التتبع وإلى مثل هذا نظر بعض علماء أهل الخلاف وساق القول المذكور مع ما اعترضه العلامة وأجاب بما حكيناه عنه أقول الظاهر أن من اعتبر في الاجماع دخول المعصوم في المجمعين على وجه لا يعرف نسبه إنما يقول به بالنسبة إلى زمن الغيبة مطلقا نظرا إلى أن الإمام عليه السلام لا يتمكن فيه من الظهور بطريق يعرف نسبه فيظهر بسيرة عالم من علماء الشيعة مع إخفاء نسبه لالقاء الحق بينهم وربما أمكن هذه الدعوى بالنسبة إلى بعض أزمنة الظهور أيضا كالزمن الذي يشتد فيه أمر التقية أو يكون الامام فيه محبوسا وأما بالنسبة إلى الزمن الذي كان الامام فيه ظاهرا متمكنا من نشر الاحكام فبشاعة هذه الدعوى غير خفية على أحد ومما يدل على ما ذكرناه أن دعوى الاجماع إنما توجد في كلمات أصحابنا الذين نشئوا بعد الغيبة ودعوى أنهم عثروا في ذلك على اتفاق العلماء في زمن ظهور الأئمة أو ما يقرب منه على وجه قطعوا بدخول المعصوم فيهم على وجه لا يعرف نسبه مجازفة بينة مع أن الاطلاع عليه لا يكون إلا بطريق النقل وطريقهم لا ينحصر فيه بل الغرض في ظاهر كلام صاحب المعالم في غير صورة النقل مطلقا وإن أمكن تنزيله على النقل الاجمالي والتحقيق فساد هذه الدعوى في زمن الغيبة أيضا لان مبناها إما على ما ذكره الشيخ من الوجوه المتقدمة فقد عرفت فسادها وأنها لا توجب القطع بل ولا الظن بذلك أو على أن الامام موجود بين العلماء الظاهرين من الشيعة لكن على وجه لا يعرف أنه إمام وهذا إن لم يقطع بخلافه فلا أقل من الظن القوي بعدمه فكيف يمكن دعوى القطع به والتحقيق أن الاجماع الذي يمكن الاطلاع عليه هو الاتفاق الكاشف عن موافقة المعصوم ورأيه كما مر وهذا مما لا يختلف الحال فيه بالنسبة إلى زمن ظهور الإمام وخفائه ثم تعليله لامتناع الاطلاع على الاجماع في زمن الغيبة بانتفاء وجود المجتهدين المجهولين عليل إذ لا بعد في وجودهم عقلا وعادة ودعوى القطع بانتفائهم في زمن الغيبة حتى بالنسبة إلى زمن المدعين للاجماع ووجودهم في زمن الظهور مجازفة واضحة وأما تنزيل الاجماع في كلامهم على معنى الشهرة فلا يخلو من بعد لعدم مساعدة الاصطلاح المعروف عليه وانتفاء القرينة الصارفة ظاهر في كلامهم وأما ما ذكره بعض العامة فليس له كثير تعلق بمقالته لان مبنى المنع فيه على انتشار العلماء بعد عصر الصحابة ومبنى المنع فيها على عدم وجود المجتهدين المجهولين و كان غرضه مجرد المماثلة في المنع لا في التعليل الثاني إذا أفتى جماعة وسكت الباقون أو لم يعلم مخالفتهم ولم يحصل الاستكشاف عن قول المعصوم فلا ريب في عدم كونه إجماعا وتسمية النوع الأول بالاجماع السكوتي إما مجاز والوصف قرينة عليه أو حقيقة باعتبار التركيب أو التقييد واختلفوا في حجيته فعن الشهيد في الذكرى اختيار حجيته لكن المصرح به في كلامه هو النوع الثاني ويستفاد منه حجية النوع الأول بالفحوى و فصل الفاضل المعاصر فاختار حجية الثاني دون الأول محتجا على المقامين بأدلة الطرفين وهو بمكان من الغرابة وذهب آخرون إلى المنع مطلقا هذا والتحقيق أنه إن كان بحيث يستكشف به عن وجود دليل معتبر عندنا كرواية ولو ضعيفة إن صلح قولهم لجبرها كان حجة وإلا فلا أما حجيته في الصورة الأولى فظاهرة وقد سبق التنبيه عليه وأما عدم حجيته في الثانية فللأصل وضعف مستند القول بحجيته كما سيأتي نعم من سلك في حجية الاجماع مسلك الشيخ يلزمه القول بالحجية في المقام خصوصا بالنسبة إلى القسم الأول وقد عرفت ضعفه مما سبق احتج الشهيد في الذكرى بأن عدالتهم تمنع من الاقتحام على الافتاء بغير علم وأنه لا يلزم من عدم الظفر بالدليل عدم الدليل والجواب أن عدالتهم إنما تمنع عن الافتاء من غير دليل معتبر عندهم ولا يلزم من كون دليل معتبرا عندهم أن يكون معتبرا عندنا لوقوع الاختلاف في الأدلة كوقوعه في الاحكام وقد يستدل للشهيد بأن قولهم يفيد الظن وإن قلوا لخلوه عن المعارض و أنه حجة عند انسداد باب العلم وبأن الأصحاب كانوا يأخذون بما يجدونه في شرائع الصدوق عند إعواز النصوص لحسن ظنهم به وعد فتواه كروايته والجواب أن انسداد باب العلم إنما يوجب حجية الظن في الأدلة لا في الاحكام كما سيأتي تحقيقه في محل وإن عمل الأصحاب بما كانوا يجدونه في الشرائع غير ثابت على وجه يصح الاستناد إليه مع أن تعويلهم عليه لم يكن من جهة كونه قولا لم يعثروا لمخالفه وإلا لما اقتصروا على الشرائع ولما تعدوا إلى المواضع التي عبروا فيها بالمخالف بل من حيث وثوقهم بأن فتاويه متون الاخبار المعول عليها وقد عرفوا ذلك منه بالتتبع
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»