الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٨٩
نحو لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا وهل هي حقيقة في المتصل فقط أو مشتركة بينه وبين المنقطع لفظا أو معنى أقوال أظهرها الأول بشهادة التبادر ولبعد المنقطع عن ظاهر الاستعمال وقد يؤكد ذلك بأنهم حملوا قول القائل له علي عشرة دراهم إلا ثوبا على قيمة الثوب فرجحوا التجوز في الثوب أو إضمار القيمة على الانقطاع و الظاهر أن وجه الترجيح عدم ملائمة المقام للحمل على الانقطاع حيث إنه لا إيهام في الحكم السابق بخلاف اللاحق مضافا إلى أصالة البراءة عن الزائد حتى إنه لو تحقق الايهام في مقام كما لو ادعاهما المقر له فأقر له بذلك حمل على الانقطاع احتجوا بظاهر الاستعمال وبأنهم قسموا الاستثناء إلى متصل ومنقطع فيكون المنقطع استثناء حقيقة والجواب أن ظاهر الاستعمال لا يوجب الحقيقة بعد وجود أمارات المجاز وكون لفظ الاستثناء حقيقة في المنقطع مطلقا أو في الاصطلاح لا يوجب كون الإرادة أيضا كذلك ثم في الاستثناء إشكال مشهور وهو أن مدلوله مناقض لمدلول الجملة التي قبله حيث إنها تقتضي دخول المستثنى في الحكم المذكور وهو يقتضي خروجه عنه ولهم في التفصي عنه وجوه ثلاثة الأول أن المراد بالمستثنى منه تمام معناه لكن لا يسند إليه إلا بعد الاخراج فلا يتعلق الاسناد إلا بالباقي وهو ما عدا المستثنى وعزي هذا القول إلى جماعة من أصحابنا منهم العلامة واختاره الحاجبي وغيره الثاني أن المراد بالمستثنى منه ما عدا المستثنى مجازا إطلاقا للكل على البعض والقرينة عليه الاستثناء وحكي هذا القول عن السكاكي في المفتاح ونسبه غير واحد إلى الأكثر الثالث أن مجموع المستثنى منه والأداة والمستثنى موضوع للباقي ومستعمل فيه والاسناد إنما يقع عليه وهذا القول محكي عن القاضي ومرجع هذه الأقوال إلى أن الكلام المذكور لا يشتمل إلا على إسناد واحد وهو إنما يتعلق بما عدا المستثنى وبه يندفع شبهة التناقض ولما كانت الأقوال المعروفة في المسألة منحصرة في الثلاثة ولا رابع لها كان اللازم في زعمهم من إبطال قولين منها صحة القول الثالث فاحتج الأولون على صحة مقالتهم ببيان بطلان مقالة الآخرين فلفقوا له وجوها منها ما هو مشترك الورود على القولين ومنها ما يختص بأحدهما فمن الوجوه المشتركة إجماع علماء العربية على أن الاستثناء المتصل إخراج بعض من كل ولو كان المراد بالمستثنى منه أو بالمجموع ما عدا المستثنى لم يتحقق هناك كل ولا بعض ولا إخراج ورد بأن لهم أن يؤولوا الاجماع بأن المراد تحقق الكلية والجزئية والاخراج و لو بحسب الظاهر فلا ينافي ذلك ويشكل بأن دلالة الاستثناء على الاخراج ولو في الظاهر يتوقف على وضعها له وهو يتوقف على كونه بحيث يصح استعمالها فيه حذرا من هذرية الوضع مع أن أصحاب القولين قد التزموا بمنعه وجوابه أن المراد بالاخراج دلالته على ارتفاع الحكم الثابت ظاهرا أو واقعا لا الاخراج حقيقة ووضعها لذلك غير مناف للحكمة لا يقال كيف يصح على القول الثالث دعوى أنها تدل على الاخراج ولو في الظاهر مع أنها لا تقع في التركيب إلا مهملة لأنا نقول إنما تستعمل مهملة عند هذا القائل في الاستثناء المتصل أما في المنفصل فلا لدلالتها فيه على رفع الحكم المتوهم من الكلام السابق عما بعدها فله أن يعتبر الاخراج بالمعنى المذكور في المتصل بالنسبة إليه ومنها أنه يلزم أن لا يكون لنا في الألفاظ التي تكون لها معان تركيبية ما هو نص في معناه التركيبي والتالي باطل بيان الملازمة أن الألفاظ التي لها معنى تركيبي يجوز أن يستثنى منها بعض المدلول فيكون المراد بها الباقي أو تقع مهملة في التركيب فلا يبقى نصا في الكل وأما بطلان التالي فلانا نقطع بأن لفظ العشرة مثلا نص في مدلوله وأجيب بأن النص ما لا يحتمل إلا معنى واحدا عند عدم القرينة والعشرة إذا تجردت عن قرينة الاستثناء كان كذلك ورد بأن النص هو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا مطلقا لا عند عدم القرينة فإن الظاهر أيضا كذلك والتحقيق أن النص هو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا ولو بمساعدة القرائن ولفظ العشرة إذا تجرد عن القرائن لا يحتمل لما دونها وقد يجاب عنه على القول الأخير بأنه إنما يقتضي عدم نصوصية العشرة حين صيرورته جزا للكلمة ولا خلاف في أن النص إذا صار جزا للكلمة خرج عن كونه نصا بل لفظا دالا وإن أريد أنها حال الاستثناء نص كان مصادرة لابتنائه على كونه اسما وهو محل النزاع ولا يخفى ما فيه ومنها أنه لا مانع من حمل المستثنى منه على تمام معناه و الاسناد إليه بعد إخراج المستثنى منه فإن هذا مما يصح اعتباره في نفسه ويصلح اللفظ له فيتعين الحمل عليه لما فيه من إبقاء الألفاظ المفردة على معانيها الأصلية وأما على القولين الأخيرين فلا بد من ارتكاب تجوز في المستثنى منه أو التزام وضع للمركب وكلاهما خروج عن الظاهر من غير ضرورة داعية إليه ويمكن الجواب بأن الخروج عن الظاهر مما لا محيص عنه على كل تقدير أما على القولين الأخيرين فظاهر كما مر وأما على القول الأول فلاستلزامه صرف الاسناد إلى بعض المسند إليه وهو أيضا على خلاف الظاهر ومما أورد على القول الأول من القولين أن قول القائل اشتريت الجارية إلا نصفها إما أن يكون الضمير فيه للجارية [بكمالها أو بمعنى النصف والأول باطل لاستلزامه استثناء النصف وهو مستوعب وكذا الثاني للتسلسل لان المراد بالمستثنى منه هو الباقي على ما قرروا الباقي بعد إخراج النصف من النصف هو الربع] بمعنى تمامها أو لها بمعنى الباقي بعد إخراج النصف منها والأول يستلزم استعمال المستثنى منه في تمام معناه وهو مناف لمذهب هذا القائل والثاني يوجب التسلسل لان الباقي بعد إخراج النصف من الجارية النصف فيكون هو المراد منها وهو يستلزم أن يكون المراد بها الربع لأنه الباقي بعد إخراج النصف من النصف لعود ضميره إلى الجارية بمعناه وهو يستلزم أن يكون المراد بها الثمن لأنه الباقي بعد إخراج النصف منها و هكذا وأجيب بأن المراد بالجارية نصف تمامها والضمير في المستثنى راجع إلى الجارية لا باعتبار معناها المجازي أعني النصف بل باعتبار معناها الحقيقي أعني التمام على سبيل الاستخدام [فلا يلزم الاستيعاب لان المراد بالنصف المستثنى غير النصف المستثنى منه نعم يلزم أن يكون المستثنى حينئذ خارجا عن المستثنى منه و القائل المذكور يلتزم بذلك ويفرق بين المتصل والمنفصل في دخول ظاهر ما أريد من اللفظ قبل الاستثناء وعليه] فلا إشكال ومنها القطع بأن المراد بالجارية في المثال المذكور تمامها وأن الضمير راجع إليها باعتبار الكمال ويمكن الجواب بأن الخصم لا يساعد على القطع المذكور لأنه في قوة
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»