الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٢٠٠
ولا دليل على تعيين البعض فيبقى اللفظ مجملا مترددا بينها قال بعض الفضلاء ومن هذا يظهر ضعف حجة المفصل أعني المفصل الأول فإن المجاز عنده إنما يتحقق في المنفصل للبناء على الخلاف في الأصل السابق الثاني أن تخصيص العام يخرجه عن كونه ظاهرا وما لا يكون ظاهرا لا يكون حجة والجواب عن الأول أما أولا فبأنا لا نسلم أن كل تخصيص يوجب التجوز وقد سبق تحقيق القول فيه ولا يلزم حينئذ تساوي المراتب نظرا إلى اشتراكها في كونه حقيقة فيها أما في التخصيص بالوصف فلورود موجب العموم على المقيد فيفيد التناول لجميع أفراده وأما في الشرط والغاية فلأنهما من قيود الحكم فلا ينافيان عموم العام ولو سلم خروج بعض الافراد فإنما هو لإفادتها تقييد المورد كالوصف وأما في البدل فلوجود موجب العموم فيه وأما في الاستثناء فلأقربية لحوق الحكم المقصود بالباقي من لحوقه بما دونه أو لان ظاهر الاستعمال يقضي بكون المستعمل فيه مرادا أصاليا خالفناه في مورد التخصيص لقيام أمارته فيتعين الاخذ بمقتضاه في الباقي وأما ثانيا فبأن ما دون العموم من المراتب على تقدير كونها مجازات له ليست متساوية بل بعضها وهو الباقي أظهر مما دونه لكونه أقرب إلى العموم من حيث المعنى فيتعين بالترجيح ومن هذا يظهر الجواب عن الحجة الثانية أيضا فإن خروجه عن ظاهر العموم لا يقتضي أن لا يكون له ظاهر في مراتب التخصيص واعلم أنه قد يستشكل في المقام بأن قضية النزاع هنا أن يكون القول بعدم الحجية مطلقا والدليل المذكور يقتضي اختصاصه بالقول بكون العام المخصوص مجازا في الباقي إذ لا ينهض على من قال بكونه حقيقة فيه وأيضا الكلام في الفصل المتقدم يقتضي كونه حجة في الباقي لان كلا من الحقيقة والمجاز ظاهر في معناه والكلام هنا يقتضي الخلاف في الحجية وضعف هذا الكلام مما لا يكاد يخفى إذ لا نسلم أن النزاع هنا يقتضي أن يكون القول بعدم الحجية مطلقا إذ لا شاهد عليه أصلا بل مقصور على تقدير المجازية كما يشهد به الحجة المذكورة وحينئذ فتنهض على دفع القول بكونه حجة في الباقي لكونه حقيقة فيه بضميمة مبناها مع احتمال تعميم النزاع إلى القول بكونه حقيقة فيه أيضا نظرا إلى عموم الدليل الثاني والنزاع في كونه حقيقة في الباقي أو مجازا فيه لا يقتضي ظهوره فيه لجواز أن يكون حقيقة أو مجازا فيه مساويا لما دونه من المراتب الحقيقية أو المجازية وليس النزاع في الفصل المتقدم مبنيا على القول بالحجية كما سبق إلى بعض الأوهام لمنافاته الاحتجاج على عدمها بالمجازية ولبعضهم هنا كلام طويل تركناه لعدم الجدوى في إيراده و كذا حجج بقية الأقوال فصل اختلفوا في التمسك بالعام قبل استقصاء البحث عن المخصص فذهب الأكثرون إلى المنع بل نقل الحاجبي عليه الاجماع وجعل النزاع في مبلغ البحث وهو مردود بنقل جماعة مصير البعض إلى جواز العمل به قبل البحث مطلقا وربما وجهه بعضهم بأن مراد قائله وجوب الاعتقاد بعمومه قبل العمل و ظهور المخصص ثم إن لم يتبين فذلك وإلا تغير الاعتقاد ثم نسبه إلى غباوة قائله لخروجه عن مطارح العلماء ولا يخفى بعده ويحكى عن العلامة أن كلامه في التهذيب مشعر باختيار القول بالجواز مع استقرابه المنع في النهاية وكلامه في هذا المبحث من التهذيب وإن كان ظاهر في ذلك إلا أن عبارته فيه في مبحث المبين نص في المنع مع دعوى الاجماع عليه ومن متأخري أصحابنا من نص على جواز العمل به قبل البحث عن المخصص بل بكل دليل يحتمل المعارض قبل الفحص عنه ثم اختلف المانعون فذهب أكثرهم إلى كفاية فحص يغلب معه الظن بعدم المخصص وربما يتحصل من فحوى كلامهم هذا أنه لو حصل الظن بعدم المخصص قبل البحث كفي وهو قوي مع قوة الظن وقال القاضي لا بد من القطع بانتفائه ولا يكفي الظن به والحق عندي ما ذهب إليه الأكثرون من عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص الموجب للظن بعدم المخصص والمعارض كما هو الأصل في كل دليل ظني يحتمل المعارض وهذه المسألة في الحقيقة من جزئيات تلك المسألة كما أشار إليه بعض الأفاضل إلا أنهم تداولوا إفرادها بالبحث نظرا إلى أن احتمال المعارض فيها أقوى لنا أن علمنا بوجود المخصص لأكثر العمومات التي بلغت إلينا كما يشهد به أدنى تتبع مع شيوع حكايته واستفاضة نقله من المتتبعين يوجب عدم الوثوق بعموم عام نصادفه بمجرد عدم مصادفة المخصص معه إذ يتساوى حينئذ عندنا احتمال كونه من العمومات المخصصة واحتمال كونه من غيرها إن لم يترجح الأول بالنظر إلى الغلبة المذكورة ولا دليل على حجية تلك العمومات مطلقا حتى عند عدم البحث وعدم الوثوق بعمومها لعدم مساعدة الاجماع والعقل على ذلك وهذا ظاهر وكذلك الكتاب والسنة إذ ليس فيهما ما يقتضي حجيتها حينئذ كما سنشير إلى البعض وأما بعد التتبع المورث للظن بالعدم فيتجه التعويل عليه إذ لو اعتبرنا العلم بذلك لزم العسر و الحرج المنفيان عن الشريعة السمحة وتفويت الوقت في تحصيل قليل من المسائل وطرح أكثر العمومات لعدم التمكن من تحصيل العلم بعدم المخصص فيها وهذا الدليل بعينه يجري في سائر الأدلة الظنية سواء كان ظنيتها من حيث السند كخبر الواحد أو من حيث المتن كالأمر والنهي والمطلق وغيرها من الظواهر اللفظية فإنا متى صادفنا شيئا منها لم نلتزم بمؤداه ما لم نبحث عن المعارض فنظن عدمه وذلك لعلمنا بوجود المعارض الوجود المساوي أو الراجح في كثير منها فنحتاج في تحصيل الظن بأن ما صادفناه ليس من جملتها إلى الفحص والتتبع واعلم أن القدر الكافي من الفحص والتتبع ما يحصل معه الظن والوثوق بعدم المعارض كما مر ويكفي فيه تتبع الأبواب التي هي مظان ذكر ما يتعلق بالحكم المقصود من الكتب المبوبة وربما يكفي فيه موافقة الأكثر والمعظم وعدم
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»