الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٩٠
بالمدعى ورجوع الضمير إلى الجارية باعتبار الكمال يعني تمام معناها لا ينافي ما ذكره لجواز أن يكون على سبيل الاستخدام ولو تم الوجه المذكور لتوجه على القول الاخر أيضا كما لا يخفى ومما أورد على القول الثاني أنه خروج عن القوانين اللغوية إذ ليس فيها لفظ مركب من ثلاثة ألفاظ فصاعدا يعرب الجز الأول منه وهو غير مضاف ومنها لزوم عود الضمير إلى جز الاسم في مثل ما اشتريت الجارية لا نصفها فإنه حال كونه جزا لا دلالة له فلا يصح عود الضمير إليه ولا يذهب عليك أن هذا إنما يتجه إذا كان القاضي يقول بأن الموضوع للباقي هو المستثنى منه والمستثنى والأداة خاصة وأما إذا قال بأنها مع لواحقها إن كان لها لواحق موضوعة له لم يتجه عليه ذلك لان الضمير في المثال المذكور يكون أيضا جزا وهو حال كونه جزا لا يكون ضميرا فلا يلزم العود احتج الذاهبون إلى الوجه الثاني بأمرين أحدهما أن المراد بالعشرة في قول القائل له علي عشرة إلا ثلاثة إما العشرة أو السبعة للقطع بأنه لم يهمل والأول باطل للاجماع على أنه ما أقر بالعشرة فتعين الثاني وهو المراد والجواب أما على الأول فبأن الاقرار إنما يتقرر بالاسناد وهو إنما يتعلق بالعشرة بعد إخراج الثلاثة منها فلا يكون الاقرار بالسبعة لأنه الباقي بعد الاخراج وأما على القول الأخير فبأن دعوى القطع بأن العشرة لم تهمل غير مسموعة عند القاضي لأنه عين المتنازع فيه و ثانيهما أنه لو كان المراد بالمستثنى منه ما يعم المستثنى لزم التناقض من إثبات الحكم له ونفيه عنه بالاستثناء وأجيب بأن الاثبات لم يتعلق بالمستثنى منه مطلقا بل بعد إخراج المستثنى منه فلا ينافي النفي عنه واحتج القاضي بأنه إذا بطل القول الأول بما ذكر في حجة القول الثاني وبطل القول الثاني بما ذكر في حجة القول الأول تعيين المصير إلى القول الثالث إذ لا رابع لها والجواب أن حجة كل من الفريقين كما تنهض بإبطال مذهب الاخر كذلك تنهض بإبطال المذهب الثالث بل هما متفقان على إبطاله فهو أجدر بالبطلان ثم اعلم أن العضدي أراد رد القول الأول في المقام إلى أحد القولين الأخيرين فأورد في بيانه تحقيقا حاصله أن الحكم في قوله له على عشرة إلا ثلاثة إنما هو على السبعة وليس عشرة بسبعة سواء اعتبر مطلقا أو مقيدا بإلا ثلاثة لان العشرة عشرة مطلقا ولا شئ من السبعة بعشرة مطلقا فالمعنى الحقيقي للمركب المذكور أما أن يكون هو العشرة المقيدة بإلا ثلاثة فيكون مجازا في السبعة وهو القول الثاني وإما أن يكون هو الباقي منه بعد إخراج الثلاثة فيكون حقيقة في السبعة لا بأن يكون المركب المذكور كلمة برأسها بل بمعنى أن مفرداته مستعملة في معانيها الحقيقية ومحصل مجموعها معنى يصدق على السبعة كالأربعة والثلاثة وهذا مذهب القاضي ثم قال والمذهب الأول راجع إلى أحدهما ووجهه التفتازاني بأن الحكم على السبعة إما أن يكون باعتبار أنها مدلول مجازي للمركب أو أمر يصدق عليه معناه المتبادر منه ثم قال وهذا اعتراف بحقية المذهب الأول ورجوع المذهبين إليه لان المركب سواء جعل حقيقة في المعنى الذي أسند إليه أو مجازا لا بد من استعمال مفرداته في معنى فيكون العشرة مستعملا في كمال معناه والحكم بعد إخراج الثلاثة وإلا لزم التناقض أو كون العشرة مجازا عن السبعة و اعترض عليه المحشي الشيرازي بأن العشرة المقيدة مجردة عن قيدها مستعملة في كمال معناها بناء على القول الأول وفي السبعة على القول الثاني فكيف يصح رجوع المذهبين إلى المذهب الأول بل يرجع مذهب القاضي إليه ثم قال فظهر أن قول العضدي والمذهب الأول راجع إلى أحدهما مسامحة والأظهر أن يقول إلى الثاني أعني مذهب القاضي أقول وهذا الاعتراض لا يوافق ظاهر كلام العضدي فإن الذي يستفاد من بيانه هو أن المجموع المركب من المستثنى منه و الأداة والمستثنى مستعمل على القولين في السبعة والاسناد متعلق به فيتأخر اعتباره عن الاخراج وأن مقصود القائل بأن المراد بعشرة إلا ثلاثة السبعة مجازا أن مفاد المركب المذكور إنما هو العشرة المقيدة بالاخراج المذكور فاستعماله في السبعة مجاز لا أن المراد بالعشرة المستثنى منها السبعة مجازا فيكون من باب المجاز المفرد وكلام التفتازاني مبني على ذلك كما يعطيه بيانه وحينئذ فلا يتجه عليه الاعتراض المذكور وعلى هذا البيان فالقائل بأن العشرة مستعمل في تمام معناه وأن الاسناد بعد الاخراج يحتمل أن يجعل المركب مجازا في السبعة فيرجع إلى قول الأكثر أو حقيقة فيه فيرجع إلى قول القاضي ومن هنا يظهر ضعف ما رمي به العضدي من المسامحة في البيان حيث جعل المذهب الأول راجعا إلى أحد المذهبين لا على التعيين دون الثاني على التعيين وذلك لان ما ذكر في المذهب الأول على هذا البيان لا اختصاص له بأحد المذهبين لما عرفت من أن كلا منهما على تحقيقه يقول بأن الاسناد إلى محصل معنى المركب من السبعة فلا منافاة بين ما ذكره هذا القائل من أن العشرة مستعمل في المركب في تمام معناه و أن الاسناد بعد الاخراج وبين ما ذكره الآخرون من أن المركب مستعمل في السبعة حقيقة أو مجازا بل الظاهر أنهم يوافقون هذا القائل فيما ذكره كما نبه عليه التفتازاني فمرجع كل من القولين الأخيرين إلى ما ذكره القائل الأول إنما هو باعتبار ما ذكره من اعتبار الامرين وإن كان مرجعه إلى أحد القولين الأخيرين باعتبار كونه حقيقة في الباقي أو مجازا فاستقام قول العضدي برجوع المذهب الأول إلى أحد المذهبين الأخيرين وقول التفتازاني برجوعهما إليه ثم اعترض المحشي المذكور على أصل التحقيق بأن اعتبار العشرة المقيدة بإخراج الثلاثة منها من قبيل اعتبار الشئ مع عدم بعض ذاتياته وهو يقتضي أن يكون ذاته غير ذاته وهذا المعنى مما لا يمكن تصوره حتى يصح وضع المركب بإزائه ليتفرع عليه كونها حقيقة فيها و مجازا في السبعة فإن كل ذلك فرع لامكان تصور المعنى و حيث تنبه لفساد هذا الوجه من حيث إن المعنى المذكور مما يمكن أن يتصوره العقل بوجهه كما هو الحق المحقق فإن تصور العنوان المذكور تصور له بالوجه وهذا القدر كاف في إمكان الوضع استدركه متشبثا بوجه آخر فقال سلمنا لكن لا يتم البيان حينئذ بقوله و ليس عشرة بسبعة
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»