الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١١٠
الشرط المعلوم عدمه كما يظهر من السيد وغيره كصاحب المعالم بل يظهر منهما المنع حال تمكن الامر من استعلام الحال أيضا فإن أرادوا أنه في نفسه غير جائز فممنوع إذ لا ريب في أن الفعل قد يكون بحيث لو وجد الشرط لكان مطلوبا وظاهر أن مفاد الامر به على وجه الاشتراط لا يزيد على ذلك فلا بأس بالكشف عن ذلك المعنى بطريق الامر مع التعليق ولا فرق في ذلك بين التصريح بالاشتراط حال الامر أو بعدها أو التعويل على دلالة العقل وإن أرادوا أن الامر حال العلم بعدم الشرط مما لا فائدة فيه فيكون سفها فهو على إطلاقه ممنوع إذ قد يترتب عليه فوائد كما سيأتي التنبيه عليها وتسرية المنع إلى الجاهل المتمكن من تحصيل العلم بالشرط على الاطلاق أوضح فسادا إذ قد يكون الامر بالشرط أسهل من الاستعلام فيرجح عليه وأما ما تمسك به السيد رحمه الله من أن الشرط إنما يحسن ممن لا يعلم العواقب فلا نرى منه ذلك إلا مجرد دعوى إذ لا شاهد له عليه لا عقلا ولا نقلا وقد ورد للتعليق على الشرط في الكتاب في مواضع كثيرة كقوله تعالى إن كنتم جنبا فاطهروا وإن ظنا أن يقيما حدود الله وإن أردتم استبدال زوج وإن كان ذو عسيرة إلى غير ذلك وكان السيد يخص الدعوى بما إذا انتفي الشرط مطلقا وأما إذا انتفي بالنسبة إلى البعض أو في بعض الأحوال فلا مانع هنا من ذكر الشرط لتشخيص المكلف أو لتعيين محل الحكم فلا يرد عليه النقض بالآيات المذكورة واحتجاج الفاضل المعاصر على المنع بلزوم التكليف بالمحال غير مستقيم على هذا التقدير وإنما يلزم ذلك لو كان الامر مطلقا ثم لا فرق في ذلك بين أن يكون الشرط مقدورا للمكلف أو لا كأمر من يعلم الامر أنه يسافر في أثناء النهار أو لا يتمكن من الصوم بالصوم وأما لزوم الكفارة في بعض الصور فلا ينافي الاشتراط الكاشف عن عدم الامر به واقعا لجواز أن يكون ذلك على التجري أو على ترك الامساك الواجب قبل حصول المانع ولا دليل على انحصار الكفارة في إفطار الصوم المأمور به بالامر الواقعي وفي إلحاق شرط عدم النسخ بما مر وجه هذا كله إذا حمل الامر في عنوان النزاع على الامر الحقيقي كما هو الظاهر وأما إذا حمل على الامر الصوري كما استظهره بعضهم من كلماتهم ففي الحكم بجوازه وجهان والجواز أقرب على ما يساعد عليه الاعتبار لا يقال الامر على ما ذكرت في التقدير المتقدم يتوقف على شرط لا تحقق له فينتفي بانتفاء شرطه فلا يكون أمرا حقيقيا إذ المعدوم لا حقيقة له بل يكون أمرا صوريا فيتحد الوجهان لأنا نقول معنى كون الامر حقيقيا على تقدير حصول الشرط أنه لو تحقق الشرط تحقق الامر لان الامر يتحقق بدون الشرط فإن ذلك مخل بمعنى الاشتراط والفرق بين الامر الحقيقي بهذا المعنى والامر الصوري أن معنى الامر مقصود حقيقة على الأول ولهذا لزم اعتبار الشرط وأما الامر الصوري فلا يتعلق القصد فيه بطلب شئ أصلا بل المقصود فيه إنما هو إبراز صورة الامر ليتوهم المخاطب أنه أمر حقيقي ليترتب عليه ما هو المقصود من التخويف أو الاختبار أو شبهه و هذا مما لا حاجة فيه إلى اعتبار الاشتراط إذا عرفت هذا فنقول حجة المجوزين وجوه الأول أنه لو لم يجز ذلك لما عصى أحد والتالي باطل بالضرورة أما الملازمة فلان كل ما لم يوجد فقد انتفي بعض علته التامة وأقله إرادة المكلف فيمتنع وحينئذ فلا تكليف فلا معصية والجواب أن ذلك خارج عن موضع النزاع إذ البحث في شرائط الوجوب والإرادة من شرائط الوجود وامتناع الفعل لعدم الإرادة لا يوجب سقوط التكليف والعصيان لان الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار نعم ربما أمكن توجيه [توجه] الدليل المذكور على مذهب الأشعري الثاني أنه لو لم يجز لما علم أحد بأنه مكلف والتالي باطل بالضرورة بيان الملازمة أن المكلف حال الفعل وبعده ينقطع عنه التكليف وقبله لا يعلم به لجواز أن لا يتحقق بعض شرائطه فيمتنع فلا يكلف به فلان قيل قد يحصل العلم قبل الفعل كما في الموسع إذا اجتمعت الشرائط عند دخول الوقت وذلك كاف في نقض الملازمة قلنا نفرض وقت الموسع زمنا زمنا فكل جز إما أن يقارن زمن الفعل أو يتأخر عنه أو يتقدم عليه ولا تكليف على الأولين ويحتمل على الثالث أن لا يبقى بصفة التكليف فلا يعلم به والجواب أنه إن أريد بالتالي عدم العلم بالتكليف الظاهري فالملازمة ممنوع إذ جواز عدم البقاء بصفة التكليف لا يقدح في استصحاب البقاء المثبت للحكم الظاهري بل ربما يكفي في ثبوت الحكم الظاهري مجرد تجويز التمكن وإن لم يساعده الاستصحاب و إن أريد عدم العلم بالتكليف الواقعي فبطلانه ممنوع ودعوى الضرورة فيه مكابرة ويمكن أن يجاب حينئذ أيضا بمنع الملازمة إذ قد يحصل العلم لآحاد الناس إذا كان زمن الفعل يسيرا وكانت شرائطه مبتذلة وكذا إذا أخبر بالبقاء من يحصل العلم بإخباره [خبره] أو نحو ذلك لكن هذه فروض نادرة وكأن مبنى الاستدلال ليس عليها الثالث أنه لو لم يجز لما علم إبراهيم عليه السلام بوجوب ذبح ولده إسماعيل والتالي باطل أما الملازمة فلانتفاء شرط الوجوب حال الفعل أعني عدم النسخ وامتناع الخطأ في علم الأنبياء وأما فساد التالي فلانه لو لم يعلم لما أقدم على الذبح ولم يحتج إلى فداء و قد أجيب عنه بالمنع من بطلان التالي لأنه لم يؤمر بنفس الذبح بل بمقدماته المختصة وأما الفداء فلعله عما ظن أنه سيؤمر به من الذبح أو بعض مقدماته إذ لا يلزم أن يكون الفداء من جنس المفدي واعترض عليه بعض المعاصرين بأن ذلك لا يليق بأن يمتحن به مثل إبراهيم و إسماعيل و يشتهرا بالفضل له ولا ما ورد من أن المراد بذبح عظيم هو الحسين عليه السلام وفيه أن الامتحان والفضل إنما يتحققان على تقدير عدم الذبح بتوطين النفس عليه وهو كما يتحقق في الامر به كذلك يتحقق بما يدل عادة على الامر به كالأمر بمقدماته التي لا يؤتى بها في العادة إلا له والرواية غير واضحة الدلالة على المقصود مع أنها بظاهرها مطروحة لدلالتها على انحطاط رتبة الحسين عليه السلام عن رتبة إسماعيل وهو خلاف المذهب إلا أن يراد بالفداء مجرد البدلية أو يجعل الباء للسببية لا للتعدية وكلاهما بعيد ثم قال و أما تصديق الرؤيا فمعارض بقوله إني أذبحك ولا بد من التأويل فهو في الأول أولى انتهى وتوضيحه أن الذي صدر منه لم يكن إلا مقدمات الذبح وحينئذ فظاهر التصديق ينافي ظاهر الاخبار بوقوع الذبح منه في المنام إذ تصديق
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»