الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ١٠٦
خصوصية الوقت الأول وإطلاقه القول ببدلية العزم مسامحة منه لظهور المراد وحينئذ يتعدد المبدل منه على حسب تعدد البدل ولا يلزم سقوط الوجوب بمجرد العزم واعلم أن جماعة صرحوا بوجوب العزم على أداء الواجبات من الموقتة وغيرها قبل دخول الوقت و بعده عند التذكر بها والتحقيق أنه لا يبعد القول بحرمة العزم على ترك الواجب أو فعل الحرام للقطع بقبحه حتى إن العقلا لو علموا من المكلف ذلك لبادروا إليه بالذم والانكار وذلك آية التحريم وما ورد من أنه من منن الله تعالى على هذه الأمة أن نية السوء لا تكتب عليهم فيمكن أن يقال لا ينافي تحريم النية لان نفى وقوع المؤاخذة لا يقتضي نفي الاستحقاق المستفاد من العقل ك آية نفي التعذيب قبل البعثة بل ربما يظهر من فحوى الرواية ما يؤكد حكم العقل وأما مجرد العزم عليه بالتردد في الفعل فالقول بالتحريم فيه مشكل و الوجه المتقدم ليس ظاهر الورود فيه وعلى تقدير القول به فلو رام الخصم أن يتمسك به على إثبات مطلوبه بأن يقول إذا دخل الوقت فالمكلف يجب عليه أحد الامرين من أداء الفعل والعزم عليه لأنه إن أتى بالفعل سقط عنه وجوب العزم وإن لم يأت به تعلق به وجوب العزم بناء على ما مر فالجواب عنه أن الواجب المخير ما تعلق الوجوب ب آحاده تعلقا ابتدائيا لا ترتيبيا ولهذا لا يقال كل من الصوم و الافطار واجب على التخيير بل الصوم واجب تعييني على من لم يندرج في عنوان المسافر والافطار واجب كذلك على من اندرج في عنوانه والمكلف بالخيار في التزام كل من العنوانين لنفسه وبأيهما التزم منه حكمه على التعيين وكذلك المكلف مخير في الفرض السابق ولو على وجه التبعية بين أداء الفعل في الجز الأول من الوقت وبين تركه فيه وأدائه في الجز الثاني منه وهكذا إلى أن يتضيق الوقت فإذا تركه في أول الوقت لزمه حكم من عليه واجب من وجوب العزم على أدائه لا أنه مخير أولا بين الفعل والعزم عليه ومثله الكلام في تحصيل العلم بقيام غيره بفعل الواجب الكفائي أو الظن به حيث يعتبر ومما قررنا يظهر فساد ما يقال من أن التخيير بين العزم وفعل الواجب ثابت بالنظر إلى ما هو الواجب الأصلي من الطاعة والانقياد لحصول ذلك بكل منهما ووجه فساده بعد ابتنائه على مقدمة غير ثابتة أعني القول بوجوب العزم هو أن أحد الواجبين إذا كان وجوبه مستندا إلى ترك الاخر لا يلزم أن يكونا تخييريين بل يجوز أن يكونا تعيينيين غاية الامر أن يكون وجوب أحدهما مشروطا بعدم الاخر وذلك لا يحقق التخيير و إنما يتحقق التخيير إذا كان مطلوبية أحد البدلين في مرتبة مطلوبية الاخر تنبيهان الأول إذا ظن المكلف بنفسه السلامة فأخر الواجب الموسع أو الواجب الذي وقته العمر عن أول وقته ففاجأه الموت أو مانع غيره لم يعص بتركه بناء على ما يقتضيه أصول المذهب من جواز التأخير والحال هذه لوضوح قبح العقاب على تقدير التجويز وفصل الحاجبي في ذلك فذهب إلى أنه يعصي فيما وقته العمر دون الموسع ووافقه العضدي في ظاهر كلامه وعلل العصيان في الأول بأنه لو لم يعص لخرج الواجب عن كونه واجبا وعدمه في الثاني بأن التأخير جائز له فلا يعصي بالجائز قال لا يقال شرط الجواز سلامة العاقبة إذ لا يمكن العلم بها فيؤدي إلى التكليف بالمحال هذا كلامه ولا يخفى أن قضية صحة كل من تعليلية فساد حكمه الاخر فإن لزوم خروج الواجب عن كونه واجبا لو صلح دليلا على العصيان في الأول لقضي به في الثاني أيضا وجواز التأخير لو نهض دليلا على عدم العصيان في الثاني لاقتضاه في الأول أيضا فالفرق تحكم منه مضافا إلى ما يرد على ظاهر الأول من أن عدم العصيان بتركه لعذر لا يقدح في الوجوب وعلى الثاني بأن جواز التأخير ليس تكليفا حتى يلزم من تعليقه على ما لا يمكن العلم به التكليف بالمحال ولو تعلق بأن تعليق الجواز على ما لا يمكن العلم به يوجب تعليق عدم الجواز أيضا على ما لا يمكن العلم به وهو تكليف قطعا لتوجه عليه أن ذلك إنما يوجب التكليف بالمحال إذا تعين عليه التأخير وأما إذا جاز فلا لتمكنه من الامتثال بالمبادرة والتكليف بالمحال إنما يصدق حيث يستحيل الامتثال ولو نزل تعليله الأول على ما يراه الأشاعرة من جواز التكليف بالمحال ناقضه ما أجاب به عما أورده على تعليله الثاني هذا كله مناقشة معه في الدليل وأما أصل الدعوى فلا إشكال فيما ذكره في الموقت إمكانا ووقوعا وقد اتضح وجهه مما ذكرناه وأما ما ذكره في غير الموقت فمما لا دليل على وقوعه قطعا وأما إمكانه فمتجه على مذهب الأشاعرة وربما يتجه بناء على أصول العدلية أيضا كما أشرنا إليه في مبحث الفور وتنقيح المبحث أن قضية التوسعة الواقعية جواز التأخير الواقعي وكلاهما مشروط ببقاء التمكن واقعا ثم عند جهل المكلف بالشرط لا يخلو إما أن يجعل له حكم في الظاهر من وجوب التعجيل مطلقا فيعصي بالتأخير مطلقا أو جواز التأخير مطلقا فلا يعصي به مطلقا أو لا يجعل له في الظاهر حكم فيناط حاله بالواقع فإن صادف تركه عدم التمكن عصى وإلا لم يعص وهذا القسم في الحقيقة واسطة بين القسمين الأولين إذ ليس فيه عصيان على الاطلاق ولا عدم عصيان على الاطلاق بل عصيان على تقدير وعدم عصيان على تقدير وقضية جواز وقوع كل من المطلقين جواز وقوع كل من المقيدين إذ لا يعقل للانضمام مدخل في الجواز نعم يحكم العقل بوجوب المسارعة إلى الفعل حينئذ عند ظن الفوات أو خوفه وجوبا ظاهريا وإن لم يتحقق الفوات واقعا دفعا للضرر المخوف كما أنه يحكم بعدم وجوبها عند ظن السلامة أو العلم بها فلا يتم القول بنفي الوجوب الشرعي في الأول والجواز الشرعي في الثاني عند من يلتزم بالملازمة بين حكم العقل والشرع مطلقا وذلك واضح ثم اعلم أن الوجوه المذكورة لا تختص بالمقام بل تجري في غيره أيضا كما لو اشتبه المحرم بالجائز فيجوز أن يكلف في الظاهر بترك ما يحتمل كونه الحرام فيعصي بارتكاب البعض وإن لم يصادف الحرام وإن تأكدت الحرمة مع مصادفة المحرم وأن يكلف به مع الرخصة في ارتكاب بعض لا يقطع فيه بارتكاب المحرم فلا يعصي به وإن صادف المحرم وعدم العصيان بفعل المحرم لعذر لا ينافي التحريم كما مر في الوجوب وأن لا يجعل له في الظاهر حكم بل يحال حاله إلى الواقع فيعصي إن صادف المحرم ولا يعصي إن لم يصادفه على حسب ما مر الثاني يتضيق الموسع بتضيق وقته أو بتضيق زمن التمكن منه ويشاركه الغير الموقت في الثاني لكن في المقامين تفصيل يعرف من الفصل الآتي و طريق ذلك العلم أو الظن بل مطلق الخوف في وجه
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»