فاما تعلقهم بتسويغ الفتيا، وإحالة بعضهم على بعض بها.
فغير صحيح، وذلك انهم يدعون في تسويغ الفتيا ما لا نعلمه، وكيف يسوغون الفتيا على جهة التصويب لها؟ ونحن نعلم أن بعضهم قد رد على بعض وخطأه، وخوفه بالله تعالى من المقام على الهوى، وهذا غاية النكير.
وان أرادوا انهم سوغوها (1) من حيث لم ينقضوها ويبطلوا الاحكام المخالفة لهم. فذلك ليس بتسويغ، وسنتكلم عليه.
وما نعرف أيضا أحدا منهم أرشد في الفتيا إلى من يخالفه فيما يخالفه فيه، ولا يقدرون على أن يعينوا واحدا فعل ذلك، وانما كانوا يحيلون بالفتيا في الجملة على أهل العلم، والعالمين بالحق، والتفصيل غير معلوم من الجملة.
فاما الزامهم لنا: أن ينقض بعضهم على بعض حكمه، والواحد على نفسه فيما حكم به ورجع (2) عنه.
فغير واجب لان اقرار الحكم وورود العبادة بالامساك عن نقضه لا يوجب كونه صوابا، الا ترى انا قد نقر أهل الذمة على ابتياعاتهم الفاسدة، ومناكحتهم الباطلة إذا أدوا الجزية، ونقتصر على انكاره على اظهار الخلاف، مع انا لا نرى شيئا من ذلك صوابا، فليس مجيئ العبادة باقرار حكم من الاحكام مع النهى عنه مما يفسد أو يستحيل، وسبيل ذلك سبيل ابتداء العبادة به فكما يجوز ورودها بهذا الحكم ابتداء جاز ورودها باقراره بعد وقوعه وان كان خطأ.
على أنه قد ورد ان شريحا قضى في ابن عم أحدهما أخ لامه بمذهب ابن مسعود فنقض أمير المؤمنين عليه السلام حكمه فقال: " في اي كتاب وجدت ذلك، أو في اي سنة "، وهذا يبطل دعوى من ادعى ان أحدا منهم لم ينقض حكم من خالفه