تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٠
الأرض المعروفة، وعن الجبائي أن الآية عدة منه عز وجل بإدخال الجنة لمن أخلص له سبحانه العبادة وفسر الأرض بأرض الجنة، والمعول عليه ما تقدم، والفاء في * (فإياي) * فاء التسبب عن قوله تعالى: * (إن أرضي واسعة) * كما تقول: إن زيدا أخوك فأكرمه وكذلك لو قلت: إنه أخوك فإن أمكنك فأكرمه، و * (إياي) * معمول لفعل محذوف يفسره المذكور، ولا يجوز أن يكون معمولا له لاشتغاله بضميره وذلك المحذوف جزاء لشرط حذف وعوض عنه هذا المعمول، والفاء في * (فاعبدون) * هي الفاء الواقعة في الجزاء إلا أنه لما وجب حذفه جعل المفسر المؤكد له قائما مقامه لفظا وأدخل الفاء عليه إذ لا بد منها للدلالة على الجزاء، ولا تدخل على معمول المحذوف أعني إياي وإن فرض خلوه عن فاء لتمحضه عوضا عن فعل الشرط فتعين الدخول على المفسر؛ وأيضا ليطابق المذكور المحذوف من كل وجه، ولزم أن يقدر الفعل المحذوف العامل في * (إياي) * مؤخرا لئلا يفوت التعويض عن فعل الشرط مع إفادة ذلك معنى الاختصاص والإخلاص، فالمعنى إن أرضي واسعة فإن لم تخلصوا لي العبادة في أرض فأخلصوها لي في غيرها، وجعل الشرط إن لم تخلصوا لدلالة الجواب المذكور عليه، ولا منع من أن تكون الفاء الأولى واقعة في جواب شرط آخر ترشيحا للسببية على معنى أن أرضي واسعة وإذا كان كذلك فإن لم تخلصوا لي الخ، وقيل: الفاء الأولى جواب شرط مقدر وأما الثانية فتكرير ليوافق المفسر المفسر، فيقال حينئذ: المعنى إن أرضي واسعة إن لم تخلصوا لي العبادة في أرض فأخلصوها لي في غيرها، وتكون جملة الشرط المقدرة أعني إن لم تخلصوا الخ مستأنفة عرية عن الفاء، وما تقدم أبعد مغزى. وجعل بعض المحققين الفاء الثانية لعطف ما بعدها على المقدر العامل في * (إياي) * قصدا لنحو الاستيعاب كما في خذ الأحسن فالأحسن. وتعقب بأنه حينئذ لا يصلح المذكور مفسرا لعدم جوام تخلل العاطف بين مفسر ومفسر البتة، وأما ما ذكره الإمام السكاكي في قوله تعالى: * (فإياي فارهبون) * من أن الفاء عاطفة والتقدير فإياي ارهبوا فارهبون فإنه أراد به أنها في الأصل كذلك لا في الحال على ما حققه صاحب الكشف، هذا وقد أطالوا الكلام في هذا المقام وقد ذكرنا نبذة منه في أوائل تفسير سورة البقرة فراجعه مع ما هنا وتأمل والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل * (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) * جملة مستأنفة جىء بها حثا على إخلاص العبادة والهجرة لله تعالى حيث أفادت أن الدنيا ليست دار بقاء وأن وراءها دار الجزاء أي كل نفس من النفوس واجدة مرارة الموت ومفارقة البدن البتة فلا بد أن تذوقوه ثم ترجعون إلى حكمنا وجزائنا بحسب أعمالكم فمن كانت هذه عاقبته فلا بد له من التزود والاستعداد ، وفي قوله تعالى: * (ذائقة الموت) * استعارة لتشبيه الموت بأمر كريه الطعم مرة، والعدول عن تذوق الموت للدلالة على التحقق، و * (ثم) * للتراخي الزماني أو الرتبي.
وقرأ أبو حيوة * (ذائقة) * بالتنوين * (الموت) * بالنصب، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه * (ترجعون) * مبنيا للفاعل، وروى عاصم * (يرجعون) * بياء الغيبة.
* (والذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجرى من تحتها الانه‍ار خ‍الدين فيها نعم أجر الع‍املين) *.
* (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لنبوأنهم) * أي لننزلنهم على وجه الإقامة، وجملة القسم وجوابه خبر المبتدأ أعني * (الذين) * ورد به وبأمثاله على ثعلب المانع من وقوع جملة القسم والمقسم عليه خبرا للمبتدأ، وقوله تعالى: * (من الجنة غرفا) * أي علالي وقصورا جليلة لا قصور فيها، وهي على ما روي عن ابن عباس من الدر والزبرجد والياقوت، مفعول ثان للتبوئة.
(١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 ... » »»