تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٢
عائد على * (من يشاء) * الذي يبسط له الرزق أي عائد عليه مع ملاحظة متعلقه فيكون المعنى أنه تعالى شأنه يوسع على شخص واحد رزقه تارة ويضيقه عليه أخرى، والواو لمطلق الجمع فقد يتقدم التضييق على التوسيع أو عائد على * (من يشاء) * بقطع النظر عن متعلقه فالمراد من يشاء آخر غير المذكور فهو نظير عندي درهم ونصفه أي نصف درهم آخر، وهذا قريب من الاستخدام، فالمعنى أنه تعالى شأنه يوسع على بعض الناس ويضيق على بعض آخر، وقرأ علقمة * (ويقدر) * بضم الياء وفتح القاف وشد الدال * (إن الله بكل شيء عليم) * فيعلم أن كلا من البسط والقدر في أي وقت يوافق الحكمة والمصلحة فيفعل كلا منهما في وقته أو فيعلم من يليق ببسط الرزق فيبسطه له ومن يليق بقدره له فيقدر له، وهذه الآية أعني قوله تعالى: * (الله يبسط) * الخ تكميل لمعنى قوله سبحانه: * (الله يرزقها وإياكم) * ( العنكبوت: 60) لأن الأول كلام في المرزوق وعمومه وهذا كلام في الرزق وبسطه وقتره، وقوله سبحانه: * (ولئن سألتهم) * الخ معترض لتوكيد معنى الآيتين وتعريض بأن الذين اعتمدتم عليهم في الرزق مقرون قدرتنا وبقوتنا كقوله تعالى: * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) * (الذاريات: 58) قاله العلامة الطيبي.
وقال صاحب الكشف قدس سره: اعترض ليفيد أن الخالق هو الرزاق وأن من أفاض ابتداء وأوجد أولى أن يقدر على الإبقاء وأكد به ما ضمن في قوله عز وجل: * (وعلى ربهم يتوكلون) * (النحل: 99).
* (ولئن سألتهم من نزل من السمآء مآء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) *.
* (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله) * معترفين بأنه عز وجل الموجد للمكنات بأسرها أصولها وفروعها ثم إنهم يشركون به سبحانه بعض مخلوقاته الذي لا يكاد يتوهم منه القدرة على شيء ما أصلا * (قل الحمد لله) * على إظهار الحجة واعترافهم بما يلزمهم، وقيل: حمده عليه الصلاة والسلام على العصمة مما هم عليه من الضلال حيث أشركوا مع اعترافهم بأن أصول النعم وفروعها منه جل جلاله فيكون كالحمد عند رؤية المبتلي، وقيل: يجوز أن يكون حمدا على هذا وذاك * (بل أكثرهم لا يعقلون) * ما يقولون وما فيه من الدلالة على بطلان الشرك وصحة التوحيد أو لا يعقلون شيئا من الأشياء فلذلك لا يعملون بمقتضى قولهم هذا فيشركون به سبحانه أخس مخلوقاته، قيل: إضراب عن جهلهم الخاص في الإتيان بما هو حجة عليهم إلى أن ذلك لأنهم مسلوبو العقول فلا يبعد عنهم مثله، وقوله تعالى: * (قل الحمد لله) * معترض وجعله الزمخشري في سورة لقمان إلزاما وتقريرا لاستحقاقه تعالى العبادة، وقيل: * (لا يعقلون) * ما تريد بتحميدك عند مقالهم ذلك، ولم يرتضه بعض المحققين لخفائه وقلة جدواه وتكلف توجيه الإضراب فيه.
* (وما ه‍اذه الحيواة الدنيآ إلا لهو ولعب وإن الدار الاخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون) *.
* (وما هذه الحياة الدنيا) * إشارة تحقير وكيف لا والدنيا لا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة، فقد أخرج الترمذي عن سهل بن سعد قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانت الدنيا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ".
وقال بعض العارفين: الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليها كلب بيد مجذوم، ويعلم مما ذكر حقارة ما فيها من الحياة بالطريق الأولى * (إلا لهو ولعب) * أي إلا كما يلهو ويلعب به الصبيان يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون عنه، وهذا من التشبيه البليغ * (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) * أي لهي دار الحياة الحقيقية إذ لا يعرض الموت والفناء لمن فيها أو هي ذاتها حياة للمبالغة، و * (الحيوان) * مصدر حي سمي به ذو الحياة في غير
(١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 ... » »»