تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٣
هذا المحل، وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا على خلاف القياس فلامه ياء وإلى ذلك ذهب سيبويه.
وقيل: إن لامه واو نظرا إلى ظاهر الكلمة وإلى حياة علم رجل، ولا حجة على كونه ياء في حي لأن الواو في مثله تبدل ياء لكسر ماقبلها نحو شقي من الشقوة، وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب اللازم للحياة ولذلك اختير عليها في هذا المقام المقتضي للمبالغة وقد علمتها في وصف الحياة الدنيا المقابلة للدار الآخرة * (لو كانوا يعلمون) * شرط جوابه محذوف أي لو كانوا يعلمون لما آثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة، ثم ما يحدث فيها من الحياة فيها عارضة سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال وكون * (لو) * للتمني بعيد.
* (فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) *.
* (فإذا ركبوا في الفلك) * متصل بما دل عليه شرح حالهم، والركوب الاستعلاء على الشيء المتحرك وهو متعد بنفسه كما في * (لتركبوها) * واستعماله ههنا وفي أمثاله نفي للإيذان بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة وحركته قسرية غير إرادية، والفاء للتعقب وفي الكلام معنى الغاية فكأنه قيل: هم مصروفون عن توحيد الله تعالى مع إقرارهم بما يقتضيه لاهون بما هو سريع الزوال ذاهلون عن الحياة الأبدية حتى إذا ركبوا في الفلك ولقوا الشدائد * (دعوا الله مخلصين له الدين) * أي كائنين في صورة من أخلص دينه وملته أو طاعته من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله تعالى ولا يدعون سواه سبحانه لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو عز وجل، وفيه تهكم به سواء أريد بالدين الملة أو الطاعة أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأنهم لا يستمرون على هذه الحال فهي قبيحة باعتبار المآل * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) * أي فاجؤوا المعاودة إلى الشرك ولم يتأخروا عنها.
* (ليكفروا بمآ ءاتين‍اهم وليتمتعوا فسوف يعلمون) *.
* (ليكفروا بما ءاتيناهم وليتمتعوا) * الظاهر أن اللام في الموضعين لام كي أي يشركون ليكونوا كافرين بما آتيناهم من نعمة النجاة بسبب شركهم وليتمتعوا باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادهم عليها فالشرك سبب لهذا الكفران، وأدخلت لام كي على مسببه لجعله كالغرض لهم منه فهي لام العاقبة في الحقيقة، وقيل: اللام فيهما لام الأمر والأمر بالكفران والتمتع مجاز في التخلية والخذلان والتهديد كما تقول عند الغضب على من يخالفك: افعل ما شئت، ويؤيده قراءة ابن كثير. والأعمش. وحمزة. والكسائي * (وليتمتعوا) * بسكون اللام فإن لام كي لا تسكن، وإذا كانت الثانية لذلك لام الأمر فالأولى مثلها ليتضح العطف، وتخالفهما محوج إلى التكلف بأن يكون المراد كما قال أبو حيان عطف كلام على كلام لا عطف فعل على فعل، وقوله تعالى: * (فسوف يعلمون) * أي عاقبة ذلك حين يعاقبون عليه يوم القيامة مؤيد للتهديد.
* (أولم يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم أفب الب‍اطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) *.
* (أولم يروا) * ألم ينظروا ولم يشاهدوا * (إنا جعلنا) * أي بلدهم * (حرما) * مكانا حرم فيه كثير مما ليس بمحرم في غيره من المواضع * (ءامنا) * أهله عما يسوءهم من السبي والقتل على أن أمنه كناية عن أمن أهله أو على أن الإسناد مجازي أو على أن في الكلام مضافا مقدرا، وتخصيص أهل مكة وأن أمن كل من فيه حتى الطيور والوحوش لأن المقصود الامتنان عليهم ولأن ذلك مستمر في حقهم. وأخرج جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أهل مكة قالوا: يا محمد ما يمنعنا أن ندخل في دينك إلا مخافة أن يتخطفنا الناس لقلتنا والعرب أكثر منا فمتى بلغهم أنا قد دخلنا في دينك اختطفنا فكلنا أكلة رأس فأنزل الله تعالى: * (أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا) *
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»