تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ١٨
على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن الله تعالى عينكم فوالله تعالى ليظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقام إليه أبي بن خلف فقال: كذبت فقال له: أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أنت أكذب يا عدو الله تعالى تعالى أناجيك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين فناحبه ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال عليه الصلاة والسلام: ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الأجل فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال: لعلك ندمت؟ قال: لا تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال: قد فعلت فلما أراد أبو بكر الهجرة طلب منه أبي كفيلا بالخطر إن غلب فكفل به ابنه عبد الرحمن فلما أراد أبي الخروج إلى أحد طلبه عبد الرحمن بالكفيل فأعطاه كفيلا ومات أبي من جرح جرحه النبي صلى الله عليه وسلم وظهرت الروم على فارس لما دخلت السنة السابعة.
وجاء في بعض الروايات أنهم ظهروا عليهم يوم الحديبية، وأخرج الترمذي وحسنه أنه لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأخذ أبو بكر رضي الله تعالى عنه الخطر من ورثة أبي وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام: تصدق به، وفي رواية أبي يعلى. وابن أبي حاتم. وابن مردويه. وابن عساكر عن البراء بن عازب أنه عليه الصلاة والسلام قال هذا السحت تصدق به.
واستشكل بأنه إن كان ذلك قبل تحريم القمار كما أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة. والترمذي وصححه عن نيار بن مكرم السلمي وهو الظاهر لأن السورة مكية وتحريم الخمر والميسر من آخر القرآن نزولا فما وجه كونه سحتا؟ وإن كان بعد التحريم فكيف يؤمر بالتصدق بالحرام الغير المختلط بغيره وصاحبه معلوم، وفي مثل ذلك يجب رد المال عليه، فإن قيل: إنه مال حربي والحادثة وقعت بمكة وهي قبل الفتح دار حرب والعقود الفاسدة تجوز فيها عند أبي حنيفة ومحمد عليهما الرحمة لم يظه ركونه سحتا، وكأني بك تمنع صحة هذه الرواية وإذا لم تثبت صحتها يبقى الأمر بالتصدق، وحينئذ يجوز أن يكون لمصلحة رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تصدق بحلال؛ أما إذا كان ذلك قبل تحريم القمار كما هو المعول عليه فظاهر، وأما إن كان بعد التحريم فلأن أبا حنيفة. ومحمدا قالا بجواز العقود الفاسدة في دار الحرب بين المسلمين والكفار واحتجا على صحة ذلك بما وقع من أبي بكر في هذه القصة، وقد تظافرت الروايات أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه المناحبة وإنما أنكر عليه التأجيل بثلاث سنين وأرشده إلى أن يزايدهم، وربما يقال على تقدير الصحة: إن السحت ليس بمعنى الحرام بل بمعنى ما يكون سببا للعار والنقص في المروءة حتى كأنه يسحتها أي يستأصلها كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " كسب الحجام سحت " فقد قال الراغب: إن هذا لكونه ساحتا للمروءة لا للدين فكأنه صلى الله عليه وسلم رأى أن تمول ذلك وإن كان حلالا مخل بمروءة أبي بكر رضي الله تعالى عنه فأطلق عليه السحت، ولا يأبى ذلك إذنه عليه الصلاة والسلام في المناحبة لما أنها لا تضرب بالمروءة أصلا وفيها من إظهار اليقين بصدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ما فيها وكان عليه الصلاة والسلام على ثقة من صلاح الصديق رضي الله تعالى عنه وأنه إذا أمره بالتصدق بما يأخذه ونهاه عن تموله لم يخالفه، وقيل: السحت هنا بمعنى ما لا شيء على من استهلكه وهو أحد إطلاقاته كما في النهاية، والمراد هذا الذي لا شيء عليك إذا استهلكته وتصرفت فيه حسبما تشاء تصدق به كأنه عليه الصلاة والسلام
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»