تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢١ - الصفحة ٢٩
أنه أمر عم المكلفين من أهل السموات والأرض، وإن حمل على الظاهر فوجهه أن ذلك جار مجرى الاستدراك للأمر بالتسبيح، ولما كان من واد واحد كان كل منهما مؤكدا للآخر فدل على دوام وجوب الحمد في الأوقات ووجوب التسبيح على أهل السموات والأرض، وأما الدلالة على الوجوب فمن اتباع * (سبحان الله) * الخ ذكر الوعد والوعيد بالفاء فإنه يفهم تعين ذلك طريقا للخلاص عن الدركات الوصول إلى الدرجات وما يتعين طريقا لذلك كان واجبا كذا في " الكشف ".
وذكر الإمام أن في هذا الاعتراض لطيفة وهو أن الله تعالى لما أمر العباد بالتسبيح كأنه قال جل وعلا: بين لهم أن تسبيحهم الله تعالى لنفعهم لا لنفع يعود إلى الله عز وجل فعليهم أن يحمدوا الله تعالى إذا سبحوه جل شأنه، وهذا كما في قوله تعالى: * (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا على إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) * (الحجرات: 17).
وجوز بعضهم كون * (عشيا) * معطوفا على قوله تعالى: * (في السموات) * ورد بأنه لا يعطف ظرف الزمان على المكان ولا عكسه، وقيل: يحتمل أن يكون معطوفا على مقدر أي وله الحمد في السموات والأرض دائما وعشيا على أنه تخصيص بعد تعميم والجملة اعتراضية أو حالية وهو كما ترى، وتخصيص الأوقات المذكورة بالذكر لظهور آثار القدرة والعظمة والرحمة فيها، وقدم الإمساء على الإصباح لتقدم الليل والظلمة، وقدم العشي على الإظهار لأنه بالنسبة إلى الإظهار كالإمساء بالنسبة إلى الإصباح. وفي " البحر " قوبل بالعشي الإمساء وبالإظهار الإصباح لأن كلا منهما يعقب بما قابله فالعشي يعقبه الإمساء والإصباح يعقبه الإظهار، وقال العلامة أبو السعود: إن تقديم * (عشيا) * على * (حين تظهرون) * لمراعاة الفواصل وليس بذاك وذكر الإمام أنه قدم الإمساء على الإصباح ههنا وأخر في قوله تعالى: * (سبحوه بكرة وأصيلا) * (الأحزاب: 42) لأن أول الكلام ههنا ذكر الحشر والإعادة وكذا آخره والإمساء آخر فذكر الآخر أولا لتذكر الآخرة، وتغيير الأسلوب في * (عشيا) * لما أنه لا يجىء منه الفعل بمعنى الدخول في العشي كالمساء والصباح والظهيرة، ولعل السر في ذلك على ما قيل: إنه ليس من الأوقات التي تختلف فيها أحوال الناس وتتغير تغيرا ظاهرا مصححا لوصفهم بالخروج عما قبلها والدخول فيها كالأوقات المذكورة فإن كلا منها وقت يتغير فيه الأحوال تغيرا ظاهرا، أما في المساء والصباح فظاهر. وأما في الظهيرة فلأنها وقت يعاد فيه التجرد عن الثياب للقيلولة كما مرت إليه الإشارة في سورة النور، هذا وفضل التسبيح والتحميد أظهر من أن يستدل عليه، وذكروا في فضل ما تضمنته الآية عدة أخبار، فأخرج الإمام أحمد. وابن جرير. وابن المنذر: وابن أبي حاتم. وابن السني في عمل اليوم والليلة. والطبراني. وابن مردويه. والبيهقي في الدعوات عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا أخبركم لم سمى الله تعالى إبراهيم خليله الذي وفى لأنه يقول كلما أصبح وأمسى سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ".
وأخرج أبو داود، والطبراني، وابن السني، وابن مردويه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من قال حين يصبح سبحان الله حين تمسون وحين تصبحون إلى قوله تعالى: وكذلك تخرجون أدرك ما فاته في يومه ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته من ليلته " إلى غير ذلك من الأخبار، ولعل فيه تأييدا لكون * (فسبحان) * الخ مقولا على ألسنة العباد فتأمل. وقرأ عكرمة * (حينا تمسون وحينا تصبحون) * بتنوين حين فالجملة صفة حذف منها العائد والتقدير تمسون فيه وتصبحون فيه، وعلى قراءة الجمهور الجملة مضاف إليها
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»