تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٢١٤
وأنهم أرادوا معناه اللغوي فهم صادقون غير حانثين، وكونهم من أهل التعارف أيضا لا يضر بل يفيد فائدة تامة، وقال الزمخشري. كأنهم اعتقدوا أنهم إذا بيتوا صالحا وبيتوا أهله فجمعوا بين البياتين، ثم قالوا ما شهدنا مهلك أهله فذكروا أحدهما كانوا صادقين لأنهم فعلوا البياتين جميعا لا أحدهما. وتعقب بأن من فعل أمرين وجحد أحدهما لم يكن في كذبه شبهة وإنما تتم الحيلة لو فعلوا أمرا واحدا وادعى عليهم فعل أمرين فجحدوا المجموع. ولذا لم يختلف العلماء في أن من حلف لا أضرب زيدا فضرب زيدا وعمرا كان حانثا بخلاف من حلف لا أضرب زيدا وعمرا ولا آكل رغيفين فأكل أحدهما فإنه محل خلاف للعلماء في الحنث وعدمه، والحق أن تبرئتهم من الكذب فيما ذكر غير لازمة حتى يتكلف لها وهمالذين كذبوا على الله تعالى ورسوله عليه السلام وارتكبوا ما هو أقبح من الكذب فيما ذكر، ومقصود الزمخشري تأييد ما يزعمه هو وقومه من قاعدة التحسين والتقبيح بالعقل بموافقة قوم صالح عليها ولا يكاد يتم له ذلك * (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون) *.
* (ومكروا مكرا) * بهذه المواضعة * (ومكرنا مكرا وهم يشعرون) * أي أهلكناهم إهلاكا غير معهود أو جازينا مكرهم من حيث لا يحتسبون.
* (فانظر كيف كان ع‍اقبة مكرهم أنا دمرن‍اهم وقومهم أجمعين) * * (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم) * شروع في بيان ما ترتب على ما باشروه من المكر، والظاهر أن * (كيف) * خبر مقدم لكان و * (عاقبة) * الاسم أي كان عاقبة مكرهم واقعة على وجه عجيب يعتبر به، والجملة في محل نصب على أنها مفعول انظر وهي معلقة لمكان الاستفهام، والمراد تفكر في ذلك.
وقوله تعالى: * (أنا دمرناهم) * في تأويل مصدر وقع بدلا من * (عاقبة مكرهم) * أو خبر مبتدأ محذوف هو ضمير العاقبة، والجلمة مبينة لما في عاقبة مكرهم من الإبهام أي هو أو هي تدميرنا واهلاكنا إياهم * (وقومهم) * الذين لم يكونوا منهم في مباشرة التبييت * (أجمعين) * بحيث لم يشذ منهم شاذ أو هو على تقدير الجار أي لتدميرنا إياهم أو بتدميرنا إياهم ويكون ذلك تعليلا لما ينبىء عنه الأمر بالنظر في كيفية عاقبة أمرهم من الهول والفظاعة. وجوز بعضهم كونه بدلا من * (كيف) *، وقال آخرون: لا يجوز ذلك لأن البدل عن الاستفهام يلزم فيه ءعادة حرفه كقولك كيف زيد أصحيح أم مريض؟
وجوز أن يكون هو الخبر لكان وتكون * (كيف) * حينئذ حالا والعامل فيها كان أو ما يدل عليه الكسلام من معنى الفعل، ويجوز أن تكون كان تامة و * (كيف) * عليه حال لا غير والاحتمالات الجائزة في * (أنا دمرناهم) * لا تخفى.
وقرأ الأكثر * (إنا) * بكسر الهمزة. فكيف خبر كان و * (عاقبة) * اسمها جملة * (أنا دمرناهم) * استئناف لتفسير العاقبة، وجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف. قال الخفاجي: الظاهر أنه الشأن أو ضميره لا شيء آخر مما يحتاج للعائد ليعترض عليه بعدم العائد. ولا يرد عليه أن ضمير الشأن المرفوع منع كثير من النحويين حذفه فإنه غير مسلم، ويجوز أن تكون * (كان) * تامة و * (كيف) * حال كما تقدم ولم يجوز الجمهور كونها ناقصة والخبر جملة * (إذا دمرناهم) * لعدم الرابط، وقيل: يجوز ويكفي للربط وجود ما يرجع إلى متعلق المبتدأ إذ رجوعه إليه نفسه غير لازم وهو تكلف وإنما يتمشى على مذهب الأخفش القائل إذا قام بعض الجملة مقام مضاف إلى العائد اكتفى به. وغيره من انلحاة يأباه، وجوز أبو حيان على كلتا القراءتين أن تكون " كان " زائدة و * (عاقبة) * مبتدأ و * (كيف) * خبر مقدم له.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 » »»