تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٩ - الصفحة ٢٠٩
السابقين ورجلها كحافر الحمار فأراد الكشف عن حقيقة الحال بذلك، وقال الشيخ الأكبر قدس سره ما حاصله إنه أراد أن ينبهها بالفعل على أنها صدقت في قولها في العرش * (كأنه هو) * حيث أنه انعدم في سبأ ووجد مثله بين يديه فجعل لها صرحا في غاية اللطف والصافي كأنه ماء صاف وليس به، وهذا غاية الإنصاف منه عليه السلام ولا أظن الأمر كما قال والله تعالى أعلم. واستدل بالآية على القول بأن أمرها بدخول الصرح ليتوصل به إلى كشف حقيقة الحال على إباحة النظر قبل الخطبة وفيه تفصيل مذكور في كتب الفقه.
* (فلما رأته) * أي رأت صحته بناء على أن الصرح بمعنى القصر * (حسبته لجة) * أي ظننته ماء كثيرا * (وكشفت عن ساقيها) * لئلا تبتل أذيالها كما هو عادة من يريد الخوض في الماء، وقرأ ابن كثير برواية قنبل * (سأقيها) * بهمز ألف ساق حملا له على جمعه سؤق وأسؤق فإنه يطرد في الواو المضمومة هي أو ما قبلها قلبها همزة فأنجر ذلك بالتبعية إلى المفرد الذي في ضمنه.
وفي البحر حكى أبو علي أن أباحية النميري كان يهمز كل واو قبلها ضمة وأنشد: أحب المؤقدين إلى مؤسى وفي الكشف الظاهر أن الهمز لغة في ساق ويشهد له هذه القراءة الثابتة في السبعة. وتعقب بأنه يأباه الاستقاق. وأيا ما كان فقول من قال: إن هذه القراءة لا تصح لا يصح * (قال) * أي سليمان عليه السلام حين رأى ما اعتراها من الدهشة والرعب، وقيل: القائل هو الذي أمرها بدخول الصرح وهو خلاف الظاهر * (إنه) * أي ما حسبته لجة * (صرح ممرد) * أي مملس ومنه الأمر للشاب الذي لا شعر في وجهه وشجرة مرداء لا ورق عليها ورملة مرداء لا تنبت شيئا والمارد المتعرى من الخير * (من قوارير) * من الزجاج وهو جمع قارورة.
* (قالت) * حين عاينت هذا الأمر العظيم * (رب إني ظلمت نفسي) * أي بما كنت عليه من عبادة الشمس، وقيل: بظني السوء بسليمان عليه السلام حيث ظنت أنه يريد اغراقها في اللجة وهو بيعد. ومثله ما قيل أرادت ظلمت نفسي بامتحاني سليمان حتى امتحنني لذلك بما أوجب كشف ساقي بمرأى منه * (وأسلمت مع سليمان) * تابعة له مقيدة به، وما في قوله تعالى: * (لله رب العالمين) * من الالتفات إلى الاسم الجليل لاظهار معرفتها بالوهيته تعالى وتفرده باستحقاق العبادة وربوبيته لجميع الموجودات التي من جملتها ما كانت تعبده قبل ذلك من الشمس، وكأن هذا القول تجديد لإسلامها على أتم وجه وقد أخرجته مخرجا لا أنانية فيه ولا كبر أصلا كما لا يخفى. واختلف في أمرها بعد الإسلام فقيل إنه عليه السلام تزوجها وأحبها وأقرها على ملكها وأمر الجن فبنوا لها سيلحين وغمدان وكان يزورها في الشهر مرة فيقيم عندها ثلاثة أيام وولدت له.
وأخرج ابن عساكر عن سلمة بن عبد الله بن ربعي أنه عليه السلام أمهرها بعلبك، وذكر غير واحد أنها حين كشفت عن ساقيها أبصر عليهما شعرا كثيرا فكره أن يتزوجها كذلك فدعا الأنس فقال: ما يذهب بهذا؟ فقالوا: يا رسول الله المواسي فقال: الماوسي تقطع ساقي المرأة، وفي رواية أنه قيل لها ذلك فقالت لم يمسسني الحديد قط فكره سليمان المواسي وقال: إنها تقطع ساقيها ثم دعا الجن فقالوا مثل ذلك ثم دعا الشياطين فوضعوا له النورة، قال ابن عباس وكان ذلك اليوم أول يوم رؤيت فيه النورة، وعن عكرمة أن أول من
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»