تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٦٠
قلوبهم، وذلك من دعاء الخليل عليه السلام لم قطع أهله عن الخلق والأسباب قال: * (فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات) * قيل: أي ثمرات طاعتك وهي المقامات الرفيعة والدرجات الشريفة.
وقال الواسطي: ثمرات القلوب وهو أنواع الحكمة ورئيس الحكمة رؤية المنة والعجز عن الشكر على النعمة وهو الشكر الحقيقي ولذلك قال: * (لعلهم يشكرون) * (إبراهيم: 37) أي يعلمون أنه لا يتهيأ لأحد أن يقوم بشكرك وتمرة الحكمة تزيل الأمراض عن القلوب كما أن ثمرة الاشجار تزيل أمراض النفوس. وقيل: أي أرزقهم الأولاد الأنبياء والصلحاء، وفيه إشارة إلى دعوته بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم المعنى له بقوله: " ربنا وابعث فيهم رسولا " وأي الثمرات أشهى من أصفى الأصفياء وأتقى الأتقياء وأفضل أهل الأرض والسماء وحبيب ذي العظمة والكبرياء فهو عليه الصلاة والسلام ثمرة الشجرة الإبراهيمية وزهرة رياض الدعوة الخليلية بل هو صلى الله عليه وسلم ثمرة شجرة الوجود. ونور حديقة الكرم واجلود. ونور حدقة كل موجود صلى الله عليه وسلم عليه إلى اليوم المشهود " ربنا انك تعلم ما نخفي وما نعلن " قال الخواص: ما نخفي من حبك وما نعلن من شكرك.
وقال ابن عطاء: ما نخفي من الأحوال وما نعلن من الآداب، وقيل: ما نخفي من التضرع في عبوديتك وما نعلن من ظاهر طاعتك في شريعتك، وأيضا ما نخفى من أسرار معرفتك وما نعلن من وظائف عبادتك، وأيضا ما نخفى من حقائق الشوق إليك في قلوبنا وما نعلن في غلبة مواجيدنا بإجراء العبرات وتصعيد الزفرات: وارحمتا للعاشقين تكلفوا * ستر المحبة والهوى فضاح * بالسر إن باحوا تباح دمائهم * وكذا دماء البائحين تباح وإن همو كتموا تحدث عنهم * عند الوشاة المدمع السحاح وقال السيد على البندنيجي قدس سره: كتمت هوى حبيه خوف إذاعة * فلله كم صب أضربه الذيع ولكن بدت آثاره من تأوهى * إذا فاح مسك كيف يخفى له ضوع * (وا يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء) * (إبراهيم: 38) فيعلم ما خفى وما علن * (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار) * (إبراهيم: 42) قيل: الظالم من تجاوز طوره وتبختر على بساط الأنانية زاعما أنه قد تضلع من ماء زمزم المحبة واستغرق في لجي بحر الفناء، توعده الله تعالى بتأخير فضيحته إلى يوم تشخص فيه أبصار سكارى المعرفة والتوحيد وهو يوم الكشف الأكبر حين تبدو أنوار سطوات العزة فيستغرقون في عظمته بحيث لا يقدرون على الالتفات إلى غيره فهناك يتبين الصادق من الكاذب: إذا اشتبكت دموع في خدود * تبين من بكى ممن تباكى وقوله سبحانه: مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء) * (إبراهيم: 43) شرح لأحوال أصحاب الأبصار الشاخصة وهم سكارى المبحة على الحقيقة، قال ابن عطاء في: * (وأفئدتهم هواء) * هذه صفة قلوب أهل الحق متعلقة بالله تعالى لا تقر إلا معه سبحانه ولا تسكن إلا إليه وليس فيها محل لغيره * (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل) * طلبوا تدارك ما فات وذلك بتهذيب الباطن والظاهر والانتظام في سلوك الصادقين وهيهات ثم هيهات، ثم أجيبوا بما يقصم الظهر ويفصم عرى الصبر وهو قوله سبحانه: * (أو لم تكونوا أقسمتم من قبل) * (إبراهيم: 44) الآية * (يوم تبدل الأرض غير الأرض
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 » »»