تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٥٨
من عاش بعد عدوه * يوما فقد بلغ المنا ويجوز على اعتبار العموم تعلق اللام - ببرزوا - على تقدير كونه معطوفا على * (تبدل) * والضمير للخلق ويكون ما بينهما اعتراضا فلا اعتراض أي برزوا للحساب ليجزي الله تعالى كل نفس مطيعة أو عاصية ما كسبت من خير أو شر * (إن الله سريع الحس‍اب) * لأنه لا يشغله سبحانه فيه تأمل وتتبع ولا يمنعه حساب عن حساب حتى يستريح بعضهم عند الاشتغال بمحاسبة الآخرين فيتأخر عنهم العذاب، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد سريع الانتقام، وذكر المرتضى في درره وجوها أخر في ذلك.
* (ه‍اذا بل‍اغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إل‍اه واحد وليذكر أولوا الألب‍اب) * .
* (هذا بلاغ) * أي ما ذكر من قوله سبحانه: * (ولا تحسبن الله غافلا) * (إبراهيم: 42) إلى هنا، وجوز أن يكون الإشارة إى القرآن وهو المروى عن ابن زيد أو إلى السورة والتذكير باعتبار الخبر وهو * (بلاغ) * والكلام على الأول أبلغ فكأنه قيل: هذا المذكور آنفا كفاية في العظة والتذكير من غير حاجة إلى ما انطوى عليه السورة الكريمة أو كل القرآن المجيد من فنون العظات والقوارع، وأصل البلاغ مصدر بمعنى التبليغ وبهذا فسره الراغب في الآية، وذكر مجيئه بمعنى الكفاية في آية أخرى * (للناس) * للكفار خاصة على تقدير اختصاص الإنذار بهم في قوله سبحانه: * (وأنذر الناس) * أو لهم وللمؤمنين كافة على تقدير شمولهم أيضا وإن كان ما شرح مختصا بالظالمين على ما قيل: * (ولينذروا به) * عطف على محذوف أي لينصحوا أو لينذروا به أو نحو ذلك فتكون اللام متعلقة بالبلاغ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف وتقديره ولينذروا به أنزل أو تلى، وقال الماوردي: الواو زائدة، وعن المبرد هو عطف مفرد على مفرد أي هذا بلاغ وإنذار، ولعله تفسير معنى لا إعراب. وقال ابن عطية: أي هذا بلاغ للناس وهو لينذروا به فجعل ذلك خبرا لهو محذوفا، وقيل. اللام لام الأمر، قال بعضهم: وهو حسن لولا قوله سبحانه: * (وليذكر) * فإنه منصوب لا غير، وارتضى ذلك أبو حيان وقال: إن ما ذكر لا يخدشه إذ لا يتعين عطف * (ليذكر) * على الأمر بل يجوز أن يضمر له فعل يتعلق به، ولا يخفى أنه تكلف. وقرأ يحيى بن عمارة الذراع عن أبيه. وأحمد بن يزيد السلمي * (ولينذروا) * بفتح الياء والذال مضارع نذر بالشيء إذا علم به قاستعد له قالوا: ولم يعرف لنذر بمعنى علم مصدر فهو كعسى وغيرها من الأفعال التي لا مصادر لها، وقيل: إنهم استغنوا بأن والفعل عن صريح المصدر، وفي القاموس نذر بالشيء كفرح علمه فحذره وأنذره بالأمر إنذارا ونذرا ونذيرا أعلمه وحذره.
وقرأ مجاهد. وحميد بتاء مضمومة وكسر الذال * (وليعلموا) * بالنظر والتأمل بما فيه من الدلائل الواضحة التي هي اهلاك الأمم وإسكان آخرين مساكنهم وغيرهما مما تضمنه ما أشار إليه * (أنما هو إلاه واحد) * لا شريك له أصلا، وتقديم الإنذار لأنه داع إلى التأمل المستتبع للعلم المذكور * (وليذكر إولوا الألباب) * أي ليتذكروا شؤون الله تعالى ومعاملته مع عباده ونحو ذلك فيرتدعوا عما يرديهم من الصفات التي يتصف بها الكفار ويتدرعوا بما يحظيهم لديه عز وجل من العقائد الحقة والأعمال الصالحة. وفي تخصيص التذكر بأولي الألباب اعلاء لشأنهم.
وفي إرشاد العقل السليم أن في ذلك تلويحا باختصاص العلم بالكفار ودلالة على أن المشار إليه بهذا القوارع المسوقة لشأنهم لا كل السورة المشتملة عليها وعلى ما سيق للمؤمنين أيضا فإن فيه ما يفيدهم فائدة جديدة، وللبحث فيه مجال، وفيه أيضا أنه حيث كان ما يفيده البلاغ من التوحيد وما يترتب عليه من الأحكام بالنسبة إلى الكفرة أمرا حادثا وبالنسبة إلى أولي الألباب الثبات على ذلك عبر عن الأول بالعلم وعن الثاني بالتذكر وروعي ترتيب الوجود مع ما
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 » »»