تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٥٤
كل مرة بعنوان مخصوص، والتقييد مع عموم انتقامه سبحانه للأوقات كلها للإفصاح عما هو المقصود من تعذيب الكفرة المؤخر إلى ذلك اليوم بموجب الحكمة المقتضية له.
وجوزأبو البقاء تعلقه بلا يخلف الوعد مقدرا بقرينة السابق، وفيه الوجه قبله من الحاجة إلى الاعتذار.
وقال الحوفي: هو متعلق - بمخلف - و * (إن الله عزيز ذو انتقام) * (إبراهيم: 47) جملة اعتراضية، وفيه رد لما قيل: لا يجوز تعلقه بذلك لأن ما قبل إن لا يعمل فيما بعدها لأن لها الصدارة، ووجهه أنها لكونها وما بعدها اعتراضا لا يبالي بها فاصلا.
وجوز الزمخشري انتصابه على البدلية من * (يوم يأتيهم) * وهو بدل كل من كل، وتبعه بعض من منع تعلقه - بمخلف - لمكان ماله الصدر. والعجب أن العامل فيه حينئذ - أنذر - فيلزم عليه ما لزم القائل بتعلقه بما ذكر فكأنه ذهب إلى البدل له عامل مقدر وهو ضعيف، وقوله تعالى: * (والسموات) * عطف على المرفوع أي وتبدل السموات غير السموات، والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم دنانير ومنه قوله تعالى: * (بدلناهم جلودا غيرها) * (النساء: 56) وقد يكون في الصفات كما في قولك: بدلت الحلقة خاتما إذا غيرت شكلها، ومنه قوله سبحانه: * (يبدل الله سيئاتهم حسنات) * (الفرقان: 70) والآية الكريمة ليست بنص في أحد الوجهين نص ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال تبدل الأرض يزاد فيها وينقص منها وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وما فيها وتمد مد الأديم العكاظي وتصير مستوية لا ترى فيها عوجا ولا أمتا. وتبدل السموات بذهاب شمسها وقمرها ونجومها وحاصله يغير كل عما هو عليه في الدنيا. وأنشد: وما الناس بالناس الذين عهدتهم * ولا الدار بالدار التي كنت أعلم وقال ابن الأنباري: تبدل السموات بطيها وجعلها مرة كالمهل ومرة وردة كالدهان.
وأخرج ابن أبي الدنيا. وابن جرير. وغيرهما عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: تبدل الأرض من فضة والسماء من ذهب.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أنه تكون الأرض كالفضة والسموات كذلك. وصح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: تبدل الأرض أرضا بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل فيها خطيئة. وروى ذلك مرفوعا أيضا، والموقوف - على ما قيل البيهقي - أصح. وقد يحمل قول الإمام كرم الله تعالى وجهه على التشبيه.
وقال الإمام: لا يبعد أن يقال المراد بتبديل الأرض جعلها جهنم وبتبديل السموات جعلها الجنة، وتعقب بأنه بعيد لأنه يلزم أن تكون الجنة والنار غير مخلوقتين الآن والثابت في الكلام والحديث خلافه، وأجيب بأن الثابت خلقهما مطلقا لا خلق كلهما فيجوز أن يكون الموجود الآن بعضهما ثم تصير السموات والأرض بعضا منهما، وفيه أن هذا وإن صححه لا يقر به، والاستدلال على ذلك بقوله تعالى: * (كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين) * (المطففين: 18) وقوله سبحانه: * (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين) * (المطففين: 7) في غاية الغرابة من الإمام فإن في إشعار ذلك بالمقصود نظرا فضلا عن كونه دالا عليه. نعم جاء في بعض الآثار ما يؤيد ما قاله، فقد أخرج ابن جرير. وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب أنه قال في الآية: تصير السموات جنانا ويصير مكان البحر نار أو تبدل الأرض غيرها.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنه قال: الأرض كلها نار يوم القيامة؛ وجاء في تبديل الأرض
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»