تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٨٦
النكتة الثانية: الإنسان مركب من خمسة أشياء: بدنه، ونفسه الشيطانية، ونفسه الشهوانية، ونفسه الغضبية، وجوهره الملكي العقلي، فتجلى الحق سبحانه بأسمائه الخمسة لهذه المراتب الخمسة فتجلى اسم الله للروح الملكية العقلية الفلكية القدسية فخضع وأطاع كما قال: * (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) * (الرعد: 28) وتجلى النفس الشيطانية بالبر والإحسان - وهو اسم الرب - فترك العصيان وانقاد لطاعة الديان، وتجلى للنفس الغضبية السبعية باسم الرحمن وهذا الاسم مركب من القهر واللطف كما قال: * (الملك يومئذ الحق للرحمن) * (الفرقان: 26) فترك الخصومة وتجلى للنفس الشهوانية البهيمية باسم الرحيم وهو أنه أطلق المباحات والطيبات كما قال: * (أحل لكم الطيبات) * (المائدة: 5) فلان وترك العصيان، وتجلى للأجساد والأبدان بقهر قوله: * (مالك يوم الدين) * فإن البدن غليظ كثيف، فلا بد من قهر شديد، وهو القهر الحاصل من خوف يوم القيامة، فلما تجلى الحق سبحانه بأسمائه الخمسة لهذه المراتب انغلقت أبواب النيران، وانفتحت أبواب الجنان. ثم هذه المراتب ابتدأت بالرجوع كما جاءت فأطاعت الأبدان وقالت: * (إياك نعبد) * وأطاعت النفوس الشهوانية فقالت: * (وإياك نستعين) * على ترك اللذات والأعراض عن الشهوات، وأطاعت النفوس الغضبية فقالت: * (إهدنا) * وأرشدنا وعلى دينك فثبتنا، وأطاعت النفس الشيطانية وطلبت من الله الاستقامة والصون عن الانحراف فقالت: * (إهدنا الصراط المستقيم) * وتواضعت الأرواح القدسية الملكية فطلبت من الله أن يوصلها بالأرواح القدسية العالية المطهرة المعظمة فقالت: * (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *.
النكتة الثالثة: قال عليه السلام بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، فشهادة أن لا إله إلا الله حاصلة من تجلى نور اسم الله، وإقام الصلاة من تجلى اسم الرب؛ لأن الرب مشتق من التربية والعبد يربي إيمانه بمدد الصلاة، وإيتاء الزكاة من تجلى اسم الرحمن، لأن الرحمن مبالغة في الرحمة، وإيتاء الزكاة لأجل الرحمة على الفقراء، ووجوب صوم رمضان من تجلى اسم الرحيم؛ لأن الصائم إذا جاع تذكر جوع الفقراء فيعطيهم ما يحتاجون إليه، وأيضا إذا جاع حصل له فطام عن الالتذاذ بالمحسوسات فعند الموت يسهل عليه مفارقتها، ووجوب الحج من تجلى اسم مالك يوم الدين؛ لأن عند الحج يجب هجرة الوطن ومفارقة الأهل والولد، وذلك يشبه سفر يوم القيامة، وأيضا الحاج يصير حافيا حاسرا عاريا وهو يشبه حال أهل القيامة وبالجملة فالنسبة بين الحج وبين أحوال القيامة، كثيرة جدا.
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 » »»