تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٨١
والقلم والجنة والنار والكرسي والعرش العظيم، ثم انتقل من عالم الأجسام إلى عالم الأرواح واستحضر في عقلك جميع الأرواح الأرضية السفلية البشرية وغير البشرية، واستحضر جميع الأرواح المتعلقة بالجبال والبحار مثل ما قال الرسول عليه الصلاة والسلام عن ملك الجبال وملك البحار ثم استحضر ملائكة سماء الدنيا وملائكة جميع السماوات السبع كما قال عليه الصلاة والسلام: " ما في السماوات موضع شبر إلا وفيه ملك قائم أو قاعد " واستحضر جميع الملائكة الحافين حول العرش وجميع حملة العرش الكرسي ثم انتقل منها إلى ما هو خارج هذا العالم كما قال تعالى: * (وما يعلم جنود ربك إلا هو) * (المدثر: 31) فإذا استحضرت جميع هذه الأقسام من الروحانيات والجسمانيات فقل: الله أكبر، وتريد بقولك: " الله " الذات التي حصل بإيجادها وجود هذه الأشياء وحصلت لها كمالاتها في صفاتها وأفعالها، وتريد بقولك أكبر أنه منزه عن مشابهتها ومشاكلتها، بل هو منزه عن أن يحكم العقل بجواز مقايسته بها ومناسبته إليها فهذا هو المراد من قوله في أول الصلاة الله أكبر.
والوجه الثاني: في تفسير هذا التكبير: أنه عليه الصلاة والسلام قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فتقول: الله أكبر من أن لا يراني ومن أن لا يسمع كلامي.
والوجه الثالث: أن يكون المعنى الله أكبر من أن تصل إليه عقول الخلق وأوهامهم وأفهامهم، قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: التوحيد أن لا تتوهمه.
الوجه الرابع: أن يكون المعنى الله أكبر من أن يقدر الخلق على قضاء حق عبوديته، فطاعاتهم قاصرة عن خدمته، وثنائهم قاصر عن كبريائه، وعلومهم قاصرة عن كنه صمديته.
واعلم أيها العبد أنك لو بلغت إلى أن يحيط عقلك بجميع عجائب عالم الأجسام والأرواح فإياك أن تحدثك نفسك بأنك بلغت مبادئ ميادين جلال الله فضلا عن أن تبلغ الغور والمنتهى ونعم ما قال الشاعر: - أساميا لم تزده معرفة * وإنما لذة ذكرناها ومن دعوات رسول الله عليه السلام وثنائه على الله: " لا ينالك غوص الفكر، ولا ينتهي إليك نظر ناظر، ارتفعت عن صفة المخلوقين صفات قدرتك، وعلا عن ذلك كبرياء عظمتك وإذا قلت الله أكبر فاجعل عين عقلك في آفاق جلال الله وقل: " سبحانك اللهم وبحمدك، ثم قل: وجهت وجهي، ثم انتقل منها إلى عالم الأمر والتكليف واجعل سورة الفاتحة مرآة لك تبصر فيها عجائب عالم الدنيا والآخرة، وتطالع فيها أنوار أسماء الله الحسنى وصفاته العليا والأديان
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»