تفسير الرازي - الرازي - ج ١ - الصفحة ٢٨٠
إذا عرفت هذا فنقول: الحق سبحانه وتعالى له عرش، وكرسي، فعقد المكان بالكرسي فقال: * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * (البقرة: 255) وعقد الزمان بالعرش فقال: * (وكان عرشه على الماء) * (هود: 7) لأن جرى الزمان يشبه جري الماء، فلا مكان وراء الكرسي، ولا زمان وراء العرش، فالعلو صفة الكرسي وهو قوله: * (وسع كرسيه السماوات والأرض) * والعظمة صفة العرش وهو قوله: * (فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم) * (التوبة: 129) وكمال العلو والعظمة لله كما قال: * (ولا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم) * (البقرة: 255). واعلم أن العلو والعظمة درجتان من درجات الكمال، إلا أن درجة العظمة أكمل وأقوى من درجة العلو، وفوقهما درجة الكبرياء قال تعالى: " الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري "، ولا شك أن الرداء أعظم من الإزار، وفوق جميع هذه الصفات بالرتبة والشرف صفة الجلال، وهي تقدسه في حقيقته المخصوصة وهويته المعينة عن مناسبة شيء من الممكنات، وهو لتلك الهوية المخصوصة استحق صفة الإلهية، فلهذا المعنى قال عليه الصلاة والسلام: " ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام " (الرحمن: 27)، وقال: * (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) * (الرحمن: 78) وقال: * (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) * إذا عرفت هذا الأصل فاعلم أن المصلى إذا قصد الصلاة صار من جملة من قال الله في صفتهم: * (يريدون وجهه) * (الأنعام: 52، الكهف: 28) ومن أراد الدخول على السلطان العظيم وجب عليه أن يطهر نفسه من الأدناس والأنجاس، ولهذا التطهير مراتب: المرتبة الأولى: التطهير من دنس الذنوب بالتوبة، كما قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا) * (التحريم: 8) ومن كان في مقام الزهد كانت طهارته من الدنيا حلالها وحرامها، ومن كان في مقام الإخلاص كانت طهارته من الالتفات إلى أعماله، ومن كان في مقام المحسنين كانت طهارته من الالتفات إلى حسناته، ومن كان في مقام الصديقين كانت طهارته من كل ما سوى الله، وبالجملة فالمقامات كثيرة والدرجات متفاوتة كأنها غير متناهية، كما قال تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) * (الروم: 300) فإذا أردت أن تكون من جملة من قال الله فيهم: * (يريدون وجهه) * فقم قائما واستحضر في نفسك جميع مخلوقات الله تعالى من عالم الأجسام والأرواح وذلك بأن تبتدئ من نفسك وتستحضر في عقلك جملة أعضائك البسيطة والمركبة وجميع قواك الطبيعية والحيوانية والإنسانية، ثم استحضر في عقلك جملة ما في هذا العالم من أنواع المعادن والنبات والحيوان من الإنسان وغيره، ثم ضم إليه البحار والجبال والتلال والمفاوز وجملة ما فيها من عجائب النبات والحيوان وذرات الهباء، ثم ترق منها إلى سماء الدنيا على عظمها واتساعها، ثم لا تزال ترقى من سماء إلى سماء حتى تصل إلى سدرة المنتهى والرفرف واللوح
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»