تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ١٥
وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) *) حتى قال أوس بن قبطي أحد بني حارثة: يا رسول الله إن بيوتنا بعورة من العدو وذلك على ملأ من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وأقام المشركون عليه بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى، فلما اشتد البلاء على الناس، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصين وإلى الحارث بن عوف وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، تجرى بينهم وبينه الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة، فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه. فقالا: يا رسول الله أشيء أمرك الله به لابد لنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه أم شيء تصنعه لنا؟ قال: لا بل لكم والله ما أصنع ذلك، إلا إني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحد وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم.
فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم ولا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قري أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: فأنت وذاك، فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال: ليجهدوا علينا.
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون على حالهم والمشركون يحاصروهم ولم يكن بينهم قتال إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب بن فهر قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم، ومروا على بني كنانة.
فقال: بنو الحارث: يا بني كنانة، فستعلمون اليوم من الفرسان، ثم أقبلوا حتى وقفوا على الخندق، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدة، ما كانت العرب تكيدها ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحموا منه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع.
وخرج علي بن أبي طالب ح في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان نحوهم، وقد كان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليري مكانه، فلما وقف هو وخيله قال له علي: يا عمرو، إنك كنت تعاهد الله، لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما. قال: أجل. قال: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال: فإني أدعوك إلى النزال. قال: ولم يا بن أخي؟ فإني والله ما أحب أن أقتلك
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»