تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٨ - الصفحة ٢٦
مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والأبناء، فقالوا: نقتل هؤلاء المساكين فلا خير في العيش بعدهم.
قال: فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت، وأنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها، فانزلوا لعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة، قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا ممن قد علمت، فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك. قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه بليلة واحدة من الدهر حازما. قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله صلى الله عليه إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال ونهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح.
قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعاهد الله لا يطأ بني قريظة، ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا.
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وأبطأ عليه، قال: أما لو جاءني لاستغفرت له، فأما إذ فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه، ثم إن الله تعالى أنزل توبة أبي لبابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة وقالت أم سلمة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه من السحر يضحك فقلت: مم ضحكت يا رسول الله أضحك الله سنك؟
قال: تيب على أبي لبابة، فقالت: ألا أبشره بذلك يا رسول الله؟ قال: بلى إن شئت قال: فقامت على باب حجرتها، وذلك قبل أن يضرب الحجاب عليهن. فقالت: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك، قال: فسار إليه الناس ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده. فلما مر عليه خارجا إلى الصبح أطلقه.
قال: ثم إن ثعلبة بن شعبة وأسيد بن شعبة وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هزل ليسوا من بني قريظة ولا النضير، نسبهم فوق ذلك وهم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدي القرظي، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها محمد بن مسلمة الأنصاري في تلك الليلة، فلما رآه قال: من هذا؟ قال: عمرو بن سعدي، وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وقال: لا أغدر بمحمد أبدا، فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»