تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٨٥
وبما مر يظهر ضعف الوجوه التي أوردوها في تفسير الوصفين كقول بعضهم: إن المراد بكونه عليا أنه عال في بلاغته مبين لما يحتاج إليه الناس، وقول بعضهم: معناه أنه يعلو كل كتاب بما اختص به من الاعجاز وهو ينسخ الكتب غيره ولا ينسخه كتاب، وقول بعضهم يعني أنه يعظمه الملائكة والمؤمنون.
وكقول بعضهم في معنى (حكيم) أنه مظهر للحكمة البالغة وقول بعضهم معناه أنه لا ينطق إلا بالحكمة ولا يقول إلا الحق والصواب، ففي توصيفه بالحكيم تجوز لغرض المبالغة. وضعف هذه الوجوه ظاهر بالتدبر في مفاد الآية السابقة وظهور أن جعله قرآنا عربيا بالنزول عن أم الكتاب.
قوله تعالى: (أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين) الاستفهام للانكار، والفاء للتفريع على ما تقدم، وضرب الذكر عنهم صرفه عنهم. قال في المجمع:
وأصل ضربت عنه الذكر أن الراكب إذا ركب دابة فأراد أن يصرفه عن جهة ضربه بعصا أو سوط ليعدل به إلى جهة أخرى ثم وضع الضرب موضع الصرف والعدل.
انتهى. والصفح بمعنى الاعراض فصفحا مفعول له، واحتمل أن يكون بمعنى الجانب (وأن كنتم) محذوف الجار والتقدير لان كنتم وهو متعلق بقوله: (أفنضرب).
والمعني: أفنصرف عنكم الذكر - وهو الكتاب الذي جعلناه قرآنا لتعقلوه - للاعراض عنكم لكونكم مسرفين أو أفنصرفه عنكم إلى جانب لكونكم مسرفين أي إنا لا نصرفه عنكم لذلك.
قوله تعالى: (وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤن) (كم) للتكثير، والأولون هم الأمم الدارجة و (ما يأتيهم) الخ، حال والعامل فيها (أرسلنا).
والآيتان وما يتلو هما في مقام التعليل لعدم صرف الذكر عنهم ببيان أن كونكم قوما مسرفين لا يمنعنا من إجراء سنة الهداية من طريق الوحي فإنا كثيرا ما أرسلنا من نبي في الأمم الماضين والحال أنه ما يأتيهم من نبي إلا استهزؤوا به وانجر الامر إلى أن أهلكنا من أولئك من هو أشد بطشا منكم.
فكما كانت عاقبة إسرافهم واستهزائهم الهلاك دون الصرف فكذلك عاقبة اسرافكم ففي الآيات الثلاث كما ترى وعد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ووعيد لقومه.
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست