تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٥٠
في قوله: (وجاءت كل نفس) وعليه فالخطاب عام متوجه إلى كل إنسان إلا أن التوبيخ والتقريع اللائح من سياق الآية ربما استدعى اختصاص الخطاب بمنكري المعاد، أضف إلى ذلك، كون الآيات مسوقة لرد منكري المعاد في قولهم: (أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد).
والإشارة بقوله: (هذا) إلى ما يشاهده يومئذ ويعاينه من تقطع الأسباب وبوار الأشياء ورجوع الكل إلى الله الواحد القهار، وقد كان تعلق الانسان في الدنيا بالأسباب الظاهرية وركونه إليها أغفله عن ذلك حتى إذا كشف الله عنه حجاب الغفلة فبدت له حقيقة الامر فشاهد ذلك مشاهدة عيان لا علما فكريا.
ولذا خوطب بقوله: (لقد كنت) في الدنيا (في غفلة) أحاطت بك (من هذا) الذي تشاهده وتعاينه وإن كان في الدنيا نصب عينيك لا يغيب لكن تعلقك بذيل الأسباب أذهلك وأغفلك عنه (فكشفنا عنك غطاءك) اليوم (فبصرك) وهو البصيرة وعين القلب (اليوم) وهو يوم القيامة (حديد) أي نافذ يبصر ما لم يكن يبصره في الدنيا.
ويتبين بالآية أولا: أن معرف يوم القيامة أنه يوم ينكشف فيه غطاء الغفلة عن الانسان فيشاهد حقيقة الامر، وفي هذا المعنى وما يقرب منه آيات كثيرة كقوله تعالى: (والامر يومئذ لله) الانفطار: 19، وقوله: (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) المؤمن: 16، إلى غير ذلك من الآيات.
وثانيا: أن ما يشاهده الانسان يوم القيامة موجود مهيأ له وهو في الدنيا غير أنه في غفلة منه، وخاصة يوم القيامة أنه يوم انكشاف الغطاء ومعاينة ما وراءه، وذلك لان الغفلة إنما يتصور فيما يكون هناك أمر موجود مغفول عنه، والغطاء يستلزم أمرا وراءه وهو يغطيه ويستره، وعدم حدة البصر إنما ينفع فيما إذا كان هناك مبصر دقيق لا ينفذ فيه البصر.
ومن أسخف القول ما قيل: إن الآية خطاب منه تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى:
لقد كنت قبل الرسالة في غفلة من هذا الذي نوحي إليك فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد يدرك الوحي أو يبصر ملك الوحي فيتلقى الوحي، وذلك لان السياق لا يساعده ولا لفظ الآية ينطبق عليه.
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست