تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٣٤٧
وقوله: (ونعلم ما توسوس به نفسه) في ذكر أخفى أصناف العلم وهو العلم بالخطور النفساني الخفي إشارة إلى استيعاب العلم له كأنه قيل: ونعلم ظاهره وباطنه حتى ما توسوس به نفسه ومما توسوس به الشبهة في أمر المعاد: كيف يبعث الانسان وقد صار بعد الموت ترابا متلاشي الاجزاء غير متميز بعضها من بعض.
وقد بان أن (ما) في (ما توسوس به) موصولة وضمير (به) عائد إليه والباء للآلة أو للسببية، ونسب الوسوسة إلى النفس دون الشيطان وإن كانت منسوبة إليه أيضا لان الكلام في إحاطة العلم بالانسان حتى بما في زوايا نفسه من هاجس ووسوسة.
وقوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) الوريد عرق متفرق في البدن فيه مجاري الدم، وقيل: هو العرق الذي في الحلق، وكيف كان فتسميته حبلا لتشبيهه به، وإضافة حبل الوريد بيانية.
والمعنى: نحن أقرب إلى الانسان من حبل وريده المخالط لأعضائه المستقر في داخل بدنه فكيف لا نعلم به وبما في نفسه؟.
وهذا تقريب للمقصود بجملة ساذجة يسهل تلقيها لعامة الافهام وإلا فأمر قربه تعالى إليه أعظم من ذلك وأعظم فهو سبحانه الذي جعلها نفسا ورتب عليها آثارها فهو الواسطة بينها وبين نفسها وبينها وبين آثارها وأفعالها فهو أقرب إلى الانسان من كل أمر مفروض حتى في نفسه، ولكون هذا المعنى دقيقا يشق تصوره على أكثر الافهام عدل سبحانه إلى بيانه بنحو قوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقريب منه بوجه قوله: (إن الله يحول بين المرء وقلبه).
ولهم في معنى الآية وجوه كثيرة أخر لا جدوى في نقلها والبحث عنها من أرادها فليراجع كتبهم.
قوله تعالى: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد) التلقي الاخذ والتلقن، والمراد بالمتلقيان على ما يفيده السياق الملكان الموكلان على الانسان اللذان يتلقيان عمله فيحفظانه بالكتابة.
وقوله: (عن اليمين وعن الشمال قعيد) تقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، والمراد باليمين والشمال يمين الانسان وشماله، والقعيد القاعد.
(٣٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 ... » »»
الفهرست