تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٩٩
فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نالوه بالعظائم ورموه بها وضاق صدره وقال الله : " ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين " (بحث فلسفي في كيفية وجود التكليف ودوامه) قد تقدم في خلال أبحاث النبوة وكيفية انتشاء الشرائع السماوية في هذا الكتاب ان كل نوع من أنواع الموجودات له غاية كمالية هو متوجه إليها ساع نحوها طالب لها بحركة وجودية تناسب وجوده لا يسكن عنها دون ان ينالها الا ان يمنعه عن ذلك مانع مزاحم فيبطل دون الوصول إلى غايته كالشجرة تقف عن الرشد والنمو قبل ان تبلغ غايتها لآفات تعرضها وتقدم أيضا ان الحرمان من بلوغ الغايات انما هو في افراد خاصة من الأنواع واما النوع بنوعيته فلا يتصور فيه ذلك.
وان الانسان وهو نوع وجودي له غاية وجودية لا ينالها الا بالاجتماع المدني كما يشهد به تجهيز وجوده بما لا يستغنى به عن سائر أمثاله كالذكورة والأنوثة والعواطف والاحساسات وكثرة الحوائج وتراكمها.
وان تحقق هذا الاجتماع وانعقاد المجتمع الانساني يحوج افراد المجتمع إلى احكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات أمورهم ويرتفع بها اختلافاتهم الضرورية ويقف بها كل منهم في موقفه الذي ينبغي له ويحوز بها سعادته وكماله الوجودي هذه الأحكام والقوانين العملية في الحقيقة منبعثة عن الحوائج التي تهتف بها خصوصية وجود الانسان وخلقته الخاصة بما لها من التجهيزات البدنية والروحية كما أن خصوصية وجوده وخلقته مرتبطة بخصوصيات العلل والأسباب التي تكون وجود الانسان من الكون العام.
وهذا معنى كون الدين فطريا أي انه مجموع احكام وقوانين يرشد إليها وجود الانسان بحسب التكوين وان شئت فقل سنن يستدعيها الكون العام فلو أقيمت أصلحت المجتمع وبلغت بالافراد غايتها في الوجود وكمالها المطلوب ولو تركت وابطلت أفسدت العالم الانساني وزاحمت الكون العام في نظامه.
وان هذه الأحكام والقوانين سواء كانت معاملية اجتماعية تصلح بها حال المجتمع
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست