تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٩٤
جعلوا القرآن عضين وهم على ما وردت به الرواية قوم من كفار قريش جزؤا القرآن اجزاء فقالوا سحر وقالوا أساطير الأولين وقالوا مفترى وتفرقوا في مداخل طرق مكة أيام الموسم يصدون الناس الواردين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما سيأتي في البحث الروائي إن شاء الله.
وقيل قوله كما أنزلنا متعلق بما تقدم من قوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني أي أنزلنا عليك القرآن كما أنزلنا على المقتسمين والمراد بالمقتسمين اليهود والنصارى الذين فرقوا القرآن اجزاء وأبعاضا وقالوا نؤمن ببعض ونكفر ببعض.
وفيه ان السورة مكية نازلة في أوائل البعثة ولم يبتل الاسلام يومئذ باليهود والنصارى ذاك الابتلاء وقولهم: " آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره " آل عمران: 72 مما قالته اليهود بعد الهجرة وكذا ما أشبه ذلك والدليل على ما ذكرنا سياق الآيات.
وربما قيل سموا مقتسمين لانهم اقتسموا أنبياء الله وكتبه المنزلة إليهم فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ويدفعه ان الآية التالية تفسر المقتسمين بالذين جعلوا القرآن عضين لا بالذين فرقوا بين أنبياء الله أو بين كتبه.
فالظاهر أن الآيتين تذكران قوما نهضوا في أوائل البعثة على اطفاء نور القرآن وبعضوه ابعاضا ليصدوا عن سبيل الله فأنزل الله عليهم العذاب وأهلكهم، وهم الذين ذكروا في الآيتين ثم يذكر الله مآل أمرهم بقوله: " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ".
قوله تعالى: " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين " قال في المجمع: الصدع والفرق والفصل نظائر، وصدع بالحق إذا تكلم به جهارا، انتهى.
والآية تفريع على ما تقدم، ومن حقها ان تتفرع لأنها الغرض في الحقيقة من السورة اي إذا كان الامر على ما ذكر وأمرت بالصفح الجميل وكنت نذيرا بعذابنا كما أنزلنا على المقتسمين فأظهر كلمة الحق وأعلن الدعوة.
وبذلك يظهر أن قوله: " إنا كفيناك المستهزئين " في مقام التعليل لقوله:
فاصدع الخ، كما يشعر الكلام أو يدل على أن هؤلاء المستهزئين هم المقتسمون
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست