إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري - ج ١ - الصفحة ١٤
فإن قيل: أصل " على " الاستعلاء، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا؟.
قيل: معنى الاستعلاء حاصل، لأن منزلتهم علت باتباع الهدى، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.
قوله تعالى (من ربهم) في موضع جر صفة لهدى، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى، ويجوز كسر الهاء وضمها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة.
قوله تعالى (وأولئك) مبتدأ و (هم) مبتدأ ثان و (المفلحون) خبر المبتدأ الثاني، والثاني خبره خبر الأول، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب، والمفلحون خبر أولئك، والأصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون.
قوله تعالى (سواء عليهم) رفع بالابتداء، أأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر، والتقدير يستوى عندهم الإنذار وتركه، وهو كلام محمول على المعنى، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ وسواء خبر مقدم، والجملة على القولين خبر أن، ولا يؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن وما بعده معمول له، ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر أن، وسواء عليهم وما بعده معترض بينهما، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو، ومستو يعمل عمل يستوى، ومن أجل أنه مصدر لا يثني ولا يجمع، والهمزة في سواء مبدلة من ياء لأن باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الأكثر.
قوله تعالى (أأنذرتهم) قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا، وفى الكلام ما يدل عليها وهو قوله: أم لم، لأن أم تعادل الهمزة، وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الأصل، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل لأن الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم، فمن هنا لا يحققهما أكثر العرب، ومنهم من يحقق الأولى ويجعل الثانية بين بين: أي بين الهمزة والألف، وهذه في الحقيقة همزة
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست