تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٣٦٨
عند الضجر بما يستقذر منهما أو يستثقل من مؤونتهما: أف، فضلا عما يزيد عليه.
ولقد بالغ عز وعلا في التوصية بهما حيث شفع الإحسان إليهما بتوحيده، ثم ضيق الأمر في البر بهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تدل على التضجر مع موجبات الضجر. وعن الصادق (عليه السلام): " أدنى العقوق: أف، ولو علم الله شيئا أهون من " أف " لنهى عنه " (1).
* (ولا تنهرهما) * أي: لا تزجرهما عما يفعلانه، ولا تمتنع من شئ أراداه منك * (وقل لهما) * بدل التأفيف والنهر * (قولا كريما) * جميلا كما يقتضيه حسن الأدب، وقيل: هو أن يقول: يا أبتاه ويا أماه كما قال إبراهيم (عليه السلام) لأبيه مع كفره:
* (يا أبت) * (2) ولا تدعوهما بأسمائهما فإنه من الجفاء وسوء الأدب (3).
وفي * (جناح الذل) * وجهان: أحدهما: أن يكون كإضافة حاتم إلى الجود إذا قلت: حاتم الجود، أي: ف‍ * (اخفض لهما) * جناحك الذليل، والآخر: أن تجعل لذله جناحا منخفضا، كما جعل لبيد (4) للشمال يدا وللقرة زماما في قوله:
وغداة ريح قد كشفت وقرة * قد أصبحت بيد الشمال زمامها (5) أراد المبالغة في التواضع والتذلل لهما * (من الرحمة) * من فرط رحمتك لهما

(١) تفسير العياشي: ج ٢ ص ٢٨٥ ح ٣٨.
(٢) مريم: ٤٢ و ٤٣ و ٤٤ و ٤٥.
(٣) قاله مجاهد. راجع تفسير البغوي: ج ٣ ص ١١٠.
(4) هو لبيد بن ربيعة بن مالك، أبو عقيل، كان من شعراء الجاهلية وفرسانهم، أدرك الإسلام وترك الشعر وسكن الكوفة، عاش عمرا طويلا، وهو أحد أصحاب المعلقات، مات في أول خلافة معاوية وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 148 - 156.
(5) البيت من معلقته التي مطلعها:
عفت الديار محلها فمقامها * بمنى تأبد غولها فرجامها والتي قال له النابغة لما سمعها منه: اذهب فأنت أشعر العرب. وفيها تمجيد لأيامه وافتخار لأفعاله. انظر ديوان لبيد بن ربيعة: ص 176.
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»