تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٧
والضمير في * (نسلكه) * للذكر، وسلكت الخيط في الإبرة وأسلكته: أدخلته فيها ونظمته، أي: مثل ذلك السلك ونحوه نسلك الذكر * (في قلوب المجرمين) *، على معنى: أنه يلقيه في قلوبهم مكذبا به غير مقبول، كما لو أنزلت بلئيم حاجة فلم يجبك إليها تقول: كذلك أنزلها باللئام، يعني: هذا الإنزال أنزلها بهم مردودة غير مقضية.
و * (لا يؤمنون به) * في محل النصب على الحال أي: غير مؤمنين به، أو هو بيان لقوله: * (كذلك نسلكه) *، * (وقد خلت سنة الأولين) * أي: طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذبوا رسلهم، وهو وعيد.
وقرئ: * (يعرجون) * بضم الراء وكسرها (1)، و * (سكرت) * بالتثقيل والتخفيف (2)، والمعنى: حبست عن الإبصار، من السكر أو السكر، أي: كما يحبس النهر من الجري، يريد: أن هؤلاء المشركين بلغ من عنادهم أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء، ويسر لهم معراج يصعدون فيه إليها لقالوا: هو شئ خيل إلينا على غير حقيقة، بل قالوا: قد سحرنا محمد - (صلى الله عليه وآله) - بذلك، وقيل: الضمير للملائكة (3)، أي: لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عيانا * (لقالوا) * ذلك، وذكر " ظلوا " ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرونه، وقال:
* (إنما) * ليدل على أنهم يقطعون بأن ذلك ليس إلا تسكيرا لأبصارهم.
* (من استرق) * في محل النصب على الاستثناء. عن ابن عباس: أنهم كانوا لا يحجبون عن السماوات، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد (صلى الله عليه وآله) منعوا من السماوات كلها (4). * (شهاب مبين) * أي: ظاهر للمبصرين.

(١) والقراءة بالكسر هي قراءة الأعمش وابن أبي الزناد وعيسى. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 74.
(2) وبالتخفيف قرأه ابن كثير وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 366.
(3) قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج والضحاك. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 496.
(4) حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 3 ص 45.
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»