الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٣٨
أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور. أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير. ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير. أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شئ بصير. أمن هذا
____________________
رسوله عليها فيقولون: أسروا قولكم لئلا يسمعه إله محمد، فنبه الله على جهلهم. فإن قلت: قدرت في ألا يعلم مفعولا على معنى: ألا يعلم ذلك المذكور مما أضمر في القلب وأظهر باللسان من خلق، فهلا جعلته مثل قولهم وهو يعطى ويمنع؟ وهلا كان المعنى: ألا يكون عالما من هو خالق لأن الخلق لا يصح إلا مع العلم؟ قلت: أبت ذلك الحال التي هي قوله - وهو اللطيف الخبير - لأنك لو قلت: ألا يكون عالما من هو خالق وهو اللطيف الخبير لم يكن معنى صحيحا، لأن ألا يعلم معتمد على الحال والشئ لا يوقت بنفسه، فلا يقال ألا يعلم وهو عالم، ولكن ألا يعلم كذا وهو عالم بكل شئ، المشي في مناكبها مثل لفرط التذليل ومجاوزته الغاية، لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شئ من البعير وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ويعتمد عليه، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشى في مناكبها لم يترك (1) وقيل مناكبها جبالها. قال الزجاج: معناه سهل لكم السلوك في جبالها، فإذا أمكنكم السلوك في جبالها فهو أبلغ التذليل، وقيل جوانبها، والمعنى: وإليه نشوركم فهو مسائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم (من في السماء) فيه وجهان: أحدهما من ملكوته في السماء لأنها مسكن ملائكته وثم عرشه وكرسيه واللوح المحفوظ، ومنها تنزل قضاياه وكتبه وأوامره ونواهيه، والثاني أنهم كانوا يعتقدون التشبيه وأنه في السماء وأن الرحمة والعذاب ينزلان منه، وكانوا يدعونه من جهتها فقيل لهم على حسب اعتقادهم: أأمنتم من تزعمون أنه في السماء وهو متعال عن المكان أن يعذبكم بخسف أو بحاصب؟ كما تقول لبعض المشبهة: أما تخاف من فوق العرش أن يعاقبك بما تفعل؟
إذا رأيته يركب بعض المعاصي (فستعلمون) قرئ بالتاء والياء (كيف نذير) أي إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم (صافات) باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها لأنهن إذا بسطنها صففن قوادمها صفا (ويقبضن) ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن. فإن قلت: لم قيل ويقبضن ولم يقل وقابضات. قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة، لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها، وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك، فجئ بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة كما يكون من السابح (ما يمسكهن إلا الرحمن) بقدرته وبما دبر لهن من القوادم والحوافي، وبنى الأجسام على شكل وخصائص قد تأتى منها الجري في الجو (إنه بكل شئ بصير) يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب (أمن) يشار إليه من الجموع ويقال (هذا

(1) يفتعل: أي لم يترك بقية من التذليل، كذا بهامش اه‍.
(١٣٨)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»