الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٤ - الصفحة ١٣٦
وأعتدنا لهم عذاب السعير. وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير. إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهى تفوز. تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا في ضلال كبير. وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير.
____________________
من يخبله. وقيل معناه: وجعلناها ظنونا ورجوما بالغيب لشياطين الإنس وهم النجامون (وأعتدنا لهم عذاب السعير) في الآخرة بعد عذاب الإحراق بالشهب في الدنيا (وللذين كفروا بربهم) أي ولكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم (عذاب جهنم) ليس الشياطين المرجومين مخصوصين بذلك. وقرئ عذاب جهنم بالنصب عطفا على عذاب السعير (إذا ألقوا فيها) أي طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به، ومثله قوله تعالى - حصب جهنم - (سمعوا لها شهيقا) إما لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها أو من أنفسهم كقوله - لهم فيها زفير وشهيق - وإما للنار تشبيها لحسيسها المنكر الفظيع بالشهيق (وهى تفور) تغلى بهم غليان المرجل بما فيه. وجعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم ويقولون فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا، وغضب فطارات منه شقة في الأرض وشقة في السماء إذا وصفوه بالإفراط فيه. ويجوز أن يراد غيظ الزبانية (ألم يأتكم نذير) توبيخ يزدادون به عذابا إلى عذابهم وحسرة إلى حسرتهم. وخزنتها مالك وأعوانه من الزبانية (قالوا بلى) اعتراف منهم بعدل الله وإقرار بأن الله عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد على ضده. فإن قلت: (إن أنتم إلا في ضلال كبير) من المخاطبون به؟ قلت: هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين على أن النذير بمعنى الإنذار، والمعنى: لم يأتكم أهل نذير أو وصف منذر وهم لغلوهم في الإنذار كأنهم ليسوا إلا إنذارا وكذلك قد جاء نذير، ونظيره قوله تعالى - إنا رسول رب العالمين - أحاملا رسالته. ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول، أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا، وأرادوا بالضلال الهلاك، أو سموا عقاب الضلال باسمه، أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة: أي قالوا لنا هذا فلم نقبله (لو كنا نسمع) الإنذار سماع طالبين للحق. أي نعقله عقل متأملين، وقيل إنما جمع بين السمع والعقل لأن مدار التكليف على أدلة السمع
(١٣٦)
مفاتيح البحث: الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»