الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٦٩
* وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد * ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير * وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو
____________________
وتوبتك تحتاج إلى التوبة، فقال: يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ قال: اسم يقع على ستة معان: على الماضي من الذنوب الندامة، ولتضييع الفرائض الإعادة، ورد المظالم، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته (ويعفو عن السيئات) عن الكبائر إذا تيب عنها، وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر (ويعلم ما يفعلون) قرئ بالتاء والياء: أي يعلمه فيثيب على حسناته ويعاقب على سيئاته (ويستجيب الذين آمنوا) أي يستجيب لهم فحذف اللام كما حذف في قوله تعالى - وإذا كالوهم - أي يثيبهم على طاعتهم ويزيدهم على الثواب تفضلا، أو إذا دعوه استجاب دعاءهم وأعطاهم ما طلبوا وزادهم على مطلوبهم. وقيل الاستجابة فعلهم: أي يستجيبون له بالطاعة إذا دعاهم إليها (ويزيدهم) هو (من فضله) على ثوابهم. وعن سعيد بن جبير: هذا من فعلهم يجيبونه إذا دعاهم. وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له: ما بالنا ندعو فلا نجاب؟ قال: لأنه دعاكم فلم تجيبوه، ثم قرأ - والله يدعو إلى دار السلام - ويستجيب الذين آمنوا (لبغوا) من البغى وهو الظلم: أي لبغى هذا على ذاك وذاك على هذا، لأن الغنى مبطرة مأشرة وكفى بحال قارون عبرة، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها " ولبعض العرب:
وقد جعل الموسمى ينبت بيننا * وبين بنى رومان نبعا وشوحطا يعنى أنهم أحيوا فحدثوا أنفسهم بالبغي والتفاتن، أو من البغى وهو البذخ والكبر: أي لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من العلو فيها والفساد. وقيل نزلت في قوم من أهل الصفة تمنوا سعة الرزق والغنى. قال خباب ابن الأرت: فينا نزلت وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبنى قينقاع فتمنيناها (بقدر) بتقدير يقال قدره قدرا وقدرا (خبير بصير) يعرف ما يئول إليه أحوالهم فيقدر لهم ما هو أصلح لهم وأقرب إلى جمع شملهم فيفقر ويغنى ويمنع ويعطى ويقبض ويبسط كما توجبه الحكمة الربانية، ولو أغناهم جميعا لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا. فإن قلت: قد ترى الناس يبغي بعضهم على بعض ومنهم مبسوط لهم ومنهم مقبوض عنهم، فإن كان المبسوط لهم يبغون فلم بسط لهم، وإن كان المقبوض عنهم يبغون فقد يكون البغى بدون البسط فلم شرطه؟ قلت: لا شبهة في أن البغى مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب، وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغى والإحجام عنه، فلو عم البسط لغلب البغى حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن. قرئ قنطوا بفتح النون وكسرها (وينشر رحمته) أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب. وعن عمر رضي الله عنه أنه قيل له: اشتد القحط وقنط الناس، فقال:
مطروا إذا أراد هذه الآية. ويجوز أن يريد رحمته في كل شئ كأنه قال: ينزل الرحمة التي هي الغيث وينشر غيرها
(٤٦٩)
مفاتيح البحث: الرزق (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 463 464 465 466 468 469 470 471 472 473 474 ... » »»