الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٦٨
ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور * أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور
____________________
الله صلى الله عليه وسلم بمال جمعوه وقالوا: يا رسول الله قد هدانا الله بك وأنت ابن أختنا وتعروك نوائب وحقوق ومالك سعة فاستعن بهذا على ما ينوبك، فنزلت ورده " وقيل القربى التقرب إلى الله تعالى: أي إلا أن تحبوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح، وقرئ إلا مودة في القربى (ومن يقترف حسنة) عن السدى أنها المودة في آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله عنه ومودته فيهم، والظاهر العموم في أي حسنة كانت إلا أنها لما ذكرت عقيب ذكر المودة في القربى دل ذلك على أنها تناولت المودة تناولا أوليا كأن سائر الحسنات لها توابع. وقرئ يزد: أي يزد الله، وزيادة حسنها من جهة الله مضاعفتها كقوله تعالى - من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة - وقرئ حسنى وهى مصدر كالبشرى. الشكور في صفة الله مجاز للاعتداد بالطاعة وتوفية ثوابها والتفضل على المثاب. (أم) منقطعة، ومعنى الهمزة فيه التوبيخ كأنه قيل: أيتما لكون أن ينسبوا مثله إلى الاكثراء ثم إلى الافتراء على الله الذي هو أعظم الفرى وأفحشها (فإن يشأ الله يختم على قلبك) فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفترى عليه الكذب، فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم، وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله، وأنه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم، ومثال هذا أن يخون بعض الأمناء فيقول: لعل الله خذلني، لعل الله أعمى قلبي، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب وإنما يريد استبعاد أن يخون مثله والتنبيه على أنه ركب من تخوينه أمر عظيم، ثم قال: ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق (بكلماته) بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى - بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه -، يعنى لو كان مفتريا كما تزعمون لكشف الله افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه، ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لامرد له من نصرتك عليهم. إن الله عليم بما في صدرك وصدورهم فيجرى الأمر على حسب ذلك. وعن قتادة: يختم على قلبك ينسك القرآن ويقطع عنك الوحي: يعنى لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك، وقيل يختم على قلبك يربط عليه بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم. فإن قلت: إن كان قوله - ويمح الله الباطل - كلاما مبتدأ غير معطوف على يختم فما بال الواو ساقطة في الخط؟ قلت: كما سقطت في قوله تعالى - ويدع الإنسان بالشر - وقوله تعالى - سندع الزبانية - على أنها مثبتة في بعض المصاحف. يقال قبلت منه الشئ وقبلته عنه، فمعنى قبلته منه: أخذته منه وجعلته مبدأ قبولي ومنشأه، ومعنى قبلته عنه: عزلته عنه وأبنته عنه. والتوبة أن يرجع عن القبيح والإخلال بالواجب بالندم عليهما والعزم على أن لا يعاود، لأن المرجوع عنه قبيح وإخلال بالواجب، وإن كان فيه لعبد حق لم يكن بد من التقصي على طريقه. وروى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك وكبر، فلما فرغ من صلاته قال له علي رضي الله عنه: يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين
(٤٦٨)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 462 463 464 465 466 468 469 470 471 472 473 ... » »»