الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٢٣
عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون * وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون * أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون * فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون * وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون *
____________________
مما نطق به القرآن، ومعناه الدلالة والشهادة كأنه قال: فهو يشهد بشركهم وبصحته. " وما " في (بما كانوا) مصدرية:
أي بكونهم بالله يشركون، ويجوز أن تكون موصولة ويرجع الضمير إليها، ومعناه: فهو يتكلم بالامر الذي بسببه يشركون، ويحتمل أن يكون المعنى: أم أنزلنا عليهم ذا سلطان: أي ملكا معه برهان فذلك الملك يتكلم بالبرهان الذي بسببه يشركون (وإذا أذقنا الناس رحمة) أي نعمة من مطر أو سعة أو صحة (فرحوا بها وإن تصبهم سيئة) أي بلاء من جدب أو ضيق أو مرض، والسبب فيها شؤم معاصيهم قنطوا من الرحمة. ثم أنكر عليهم بأنهم قد علموا أنه هو الباسط القابض فما لهم يقنطون من رحمته، وما لهم لا يرجعون إليه تائبين من المعاصي التي عوقبوا بالشدة من أجلها حتى يعيد إليهم رحمته. حق ذي القربى صلة الرحم. وحق المسكين وابن السبيل نصيبهما من الصدقة المسماة لهما. وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية في وجوب النفقة للمغرم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب.
وعند الشافعي رحمه الله: لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين، قاس سائر القربات على ابن العم لأنه لأولاد بينهم.
فإن قلت: كيف تعلق قوله (فآت ذا القربى) بما قبله حتى جئ بالفاء؟ قلت: لما ذكر أن السيئة أصابتهم بما قدمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك (يريدون وجه الله) يحتمل أن يراد بوجهه ذاته أو جهته وجانبه: أي يقصدون بمعروفهم إياه خالصا، وحقه كقوله تعالى - إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى - أو يقصدون جهة التقرب إلى الله لا جهة أخرى، والمعنيان متقاربان ولكن الطريقة مختلفة. هذه الآية في معنى قوله تعالى - يمحق الله الربا ويربى الصدقات - سواء بسواء. يريد: وما أعطيتم أكلة الربا (من ربا ليربوا في) أموالهم ليزيد ويزكو في أموالهم فلا يزكو عند الله ولا يبارك فيه (وما آتيتم من زكاة) أي صدقة تبتغون به وجهه خالصا لا تطلبون به مكأفاة ولا رياء وسمعة (فأولئك هم المضعفون) ذوو الأضعاف من الحسنات، ونظير المضعف المقوى والموسر لذي القوى واليسار، وقرئ بفتح العين. وقيل نزلت في ثقيف وكانوا يربون. وقيل المراد أن يهب الرجل للرجل أو يهدى له ليعوضه أكثر مما وهب أو أهدى، فليست تلك الزيادة بحرام، ولكن المعوض لا يثاب على تلك الزيادة وقالوا: الربا ربوان، فالحرم كل قرض يأخذ فيه أكثر منه أو يجر منفعة، والذي ليس بحرام أن يستدعى بهبته أو بهديته أكثر منها، وفي الحديث " المستغزر يثاب من هبته " وقرئ - وما أتيتم من ربا - بمعنى، وما غشيتموه أو رهقتموه من إعطاء ربا. وقرئ لتربوا: أي لتزيدوا في أموالهم كقوله تعالى - ويربى الصدقات - أي يزيدها،
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»