الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٢٢
الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين * فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون * وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون * أم أنزلنا
____________________
لأنه بمنزلة التصوير والتشكيل لها، أترى كيف صور الشرك بالصورة المشوهة (الذين ظلموا) أي أشركوا كقوله تعالى - إن الشرك لظلم عظيم - (بغير علم) أي اتبعوا أهواءهم جاهلين لان العالم إذا ركب هواه ربما ردعه علمه وكفه، وأما الجاهل فيهيم على وجهه كالبهيمة لا يكفه شئ (من أضل الله) من خذله ولم يلطف به لعلمه أنه ممن لا لطف له فمن يقدر على هداية مثله، وقوله (وما لهم من ناصرين) دليل على أن المراد بالاضلال الخذلان (فأقم وجهك للدين) فقوم وجهك له وعدله غير ملتفت عنه يمينا ولا شمالا، وهو تمثيل لاقباله على الدين واستقامته عليه وثباته واهتمامه بأسبابه، فإن من أهتم بالشئ عقد عليه طرفه وسدد إليه نظره وقوم له وجهه مقبلا به عليه، و (حنيفا) حال من المأمور أو من الدين (فطرت الله) أي الزموا فطرة الله أو عليكم فطرة الله، وإنما أضمرته على خطاب الجماعة لقوله منيبين إليه، ومنيبين حال من الضمير في الزموا، وقوله - واتقوه وأقيموا - ولا تكونوا - معطوف على هذا المضمر. والفطرة الخلقة، ألا ترى إلى قوله - لا تبديل لخلق الله - والمعنى: أنه خلقهم قابلين للتوحيد ودين الاسلام غير نائين عنه ولا منكرين له لكونه مجاوبا للعقل مساوقا للنظر الصحيح حتى لو تركوا لما اختاروا عليه دينا آخر، ومن غوى منهم فبإغواء شياطين الإنس والجن، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه " (لا تبديل لخلق الله) أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة أو تغير.
فإن قلت: لم وحد الخطاب أولا ثم جمع؟ قلت: خوطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا وخطاب الرسول خطاب لامته مع ما فيه من التعظيم للامام ثم جمع بعد ذلك للبيان والتلخيص (من الذين) بدل من المشركين (فارقوا دينهم) تركوا دين الاسلام. وقرئ فرقوا دينهم بالتشديد: أي جعلوه أديانا مختلفة لاختلاف أهوائهم (وكانوا شيعا) فرقا كل واحدة تشايع إمامها الذي أضلها (كل حزب) منهم فرح بمذهبه مسرور يحسب باطله حقا، ويجوز أن يكون من الذين منقطعا مما قبله ومعناه من المفارقين دينهم كل حزب فرحين بما لديهم ولكنه رفع فرحون على الوصف لكل كقوله * وكل خليل غيرها ضم نفسه * الشدة من هزال أو مرض أو قحط أو غير ذلك. والرحمة: الخلاص من الشدة، واللام في (ليكفروا) مجاز، مثلها - ليكون لهم عدوا - (فتمتعوا) نظير - اعملوا ما شئتم - (فسوف تعلمون) وبال تمتعكم، وقرأ ابن مسعود وليتمتعوا. السلطان: الحجة وتكلمه مجاز كما تقول: كتابه ناطق بكذا، وهذا
(٢٢٢)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)، الفطرة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»