الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٥١
الانتساب إلى الموصوف، ومن ثم اشتهر أن الصفات قبل العلم بها أخبار، والأخبار بعد العلم بها صفات، فيعود السؤال بعينه في قوله " نارا وقودها الناس والحجارة ". وأجيب بأن الصلة والصفة يجب كونهما معلومين للمخاطب لا لكل سامع، وما في التحريم خطاب للمؤمنين، وهم قد علموا ذلك بسماعهم من النبي صلى الله عليه وعلى آله، ولما سمع الكفار ذلك الخطاب أدركوا منه نارا موصوفة بتلك الجملة فجعلت صلة فيما خوطبوا به (قوله فلم جاءت) يعنى أن (النار) في الآيتين متحدة (ومتصفة بهذه الجملة) كما علم من كلامك، فلم اختلف حالها فيهما تنكيرا وتعريفا؟ أجاب بأن تلك الآية التي في التحريم (نزلت بمكة) فعرف الكفار منها نارا منكرة (موصوفة بهذه الصفة ثم نزلت هذه) الآية التي في البقرة مشتملة على ذكرها معرفة لكونها معهودة (مشارا بها إلى ما عرفوه أولا) ويرد عليه أن سورة التحريم مدنية اتفاقا، وأيضا قد صحح الإسناد الدال على أن هذه الآية مكية وتلك مدنية على عكس ما ذكر ههنا، وأيضا انتساب تلك الجملة إلى المنكر إذا كان على ما مر معلوما للمخاطبين:
أعني المؤمنين لسماعهم منه عليه الصلاة والسلام كان ذلك المنكر معهودا باعتبار هذا الانتساب فحقه أن يعرف. ويجاب عن الأول بأن تلك الآية وحدها من التحريم جاز أن تكون مكية، وتصريحه بذلك يدل على عدم الاتفاق على كون جميع آيات تلك السورة نازلة بالمدينة وفيه بعد. وعن الثاني بأنه صحح إسناد ذلك القول إلى علقمة ولم يتخذه مذهبا لنفسه. وعن الثالث بالتعين إرادة التهويل بالتنكير والإشارة إلى الحضور في الأذهان بالتعريف لكنه لا يطابق كلامه، ولعله لا يشترط العلم في صفات النكرات حتى يلزم كونها معهودة. وتحقيقه أنك إذا قلت؟
جاءني رجل عالم، فقد قيدت أولا مفهوم الرجل بمفهوم العالم، وقصدت ثانيا بهذا المقيد إلى فرد لا بعينه من الأفراد، التي يصدق هو عليها، وإذا قلت جاءني الرجل العالم فقد أردت بلفظ الرجل فردا معينا باعتبار ما من أفراده، وأوردت العالم تمييزا له عن معين آخر، وهذا معنى ما قيل من أن الوصف في النكرة للتخصيص وفى المعرفة للتمييز فليس المنكر الموصوف معهودا باعتبار انتساب صفته إليه بخلاف المعرف الموصوف، فتأمل والله الموفق (قوله ما معنى وقودها الناس والحجارة) أي ما المقصود من وصف النار بهذه الجملة (قوله لا تتقد إلا بالناس والحجارة) استفاد هذا الحصر من أن المضاف قد يقصد به الجنس وقد يقصد به العهد كالمعرف باللام كما سيأتي في الكتاب، فإذا قصد به الجنس كما في " وقودها الناس " أفاد حصر الجنس في الجزء الآخر مقدما كان أو مؤخرا، على طريقة قولك: المنطلق زيد وزيد المنطلق، فإن المناسب قصر العام على الخاص، ومن ذلك قولك: الناس العلماء، والعلماء الناس، فإن المقصود منهما حصر الناس من العلماء، وإذا لم يظهر جنسية أحد الطرفين هناك، فإن تعين أحد
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»