الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٥٠
وإن لم تكن مقدرة في العبارة كما عرفته. ويرد عليه أنه لو قيل فاتركوا العناد لكانت تلك الوسائط مرادة أيضا، فلا إيجاز بسبب الكناية. وقيل من حيث إنه أريد بهذه الكناية مجموع المعنيين: أعني اتقاء النار وترك العناد معا، يشمل الإيجاز حينئذ كل كناية أريد بها معنياها جميعا (قوله وتهويل شأن العناد) هذه فائدة أخرى خاصة، فإنه إذا أنيب اتقاء النار مناب ترك العناد وأبرز ترك العناد في صورة اتقاء النار ففي ذلك تهويل لشأنه وتخويف تام منه فالضمير في منابه وإبرازه لترك العناد وفى صورته لاتقاء النار وفى عبارة الكتاب اختصار (قوله مشيعا ذلك) أي لما هول شأن العناد بما ذكر شيع ذلك التهويل بتهويل صفة النار بأن وقود الناس والحجارة تربية لما قصد من التخويف والزجر عن العناد (قوله ثم قال) أي سيبويه (والوقود) بالضم في المصدر (أكثر) منه بالفتح وأما الحطب فبالفتح وحده ونظيره الطهور والوضوء. وقراءة عيسى بن عمر بالضم تحتمل وجهين: أن يكون المصدر مستعملا بمعنى المفعول مجازا لغويا، فأريد بالوقود ما يتوقد به كما يراد بفخر قومه ما يفتخرون به (ويزين بلده) ما يتزين به بلده وأن يكون على حقيقته والمجاز في إسناد الناس وحمله عليه (كما في قولك حياة الصباح السليط) أي الزيت الجيد، فقد جعلت السليط الذي به قوام حياته عينها ومحمولا عليها، وإنما قال (فكأن نفس السليط حياته) مع أن السليط وقع في تلك العبارة خبرا عن الحياة بناء على أنه الذي وقع التصرف فيه حيث لم يقل بالسليط فكان بيان حاله أهم. وأما قوله: أي ليست حياته إلا به فإشارة إلى نكتة جعل قوام الشئ نفس ذلك الشئ، لا إلى الاختصاص المستفاد من التركيب على هذا التقدير ليتجه أن الوجه الآخر بل القراءة المشهورة أيضا تدل على الاختصاص كما سيومى إليه بقوله (لا تتقد إلا بالناس والحجارة) وذكر في سورة التحريم. وقرئ " وقودها " بالضم أي ذو وقودها. وقال الشيخ عبد القاهر في قولها * فإنما هي إقبال وإدبار * لا مجاز في شئ من الطرفين وإنما المجاز في الإسناد حيث جعلت كأنها تجسمت من الإقبال والإدبار. ولو حمل على أن المراد ذات إقبال وإدبار لكان كلاما عاميا مرذولا، ولقلة هذا النوع من الإسناد المجازى وخفائه تحير جماعة في الفرق بين الوجهين فقالوا: الفرق بأن الثاني يفيد الحصر دون الأول أو بان الوقود في الأول جعل نفس الناس والحجارة، وفى الثاني مغايرا لهما حاصلا وكلاهما ظاهر البطلان (قوله أو سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) اعترض عليه أولا بأن السماع منه عليه الصلاة والسلام، وكذا سماع الآية التي في سورة التحريم لا يفيدهم العلم إذا لا يعتقدون الحقية. وأجيب بأن إدراكهم الحاصل بالسماع كاف في ذلك، ولا حاجة إلى أن يجزموا به. وثانيا بأن الصفة كالصلة يجب أن تكون معلومة
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»