الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٤٦
لا تقتصروا على أن تقولوا (الله يشهد بأنا صادقون) فيما ادعيناه (كما يقوله العاجر عن إقامة البينة) والأمر حينئذ لبيان انقطاعهم بالكلية، وأنه لم يبق لهم متشبث سوى الاستشهاد به تعالى (قوله أو ادعوا) هذا هو الوجه السادس والأرجح الذي يشهد له قوله تعالى - قل لئن اجتمعت الإنس والجن - الآية: أي ادعوا كل من يحضركم إلا الله لأنه القادر عليه، والأمر فيه لتعجيزهم وإرشادهم إلى ما يستيقنون به معجزتهم بلا ريبة، ومن في هذين الوجهين ابتدائية أيضا (قوله تريك القذى) آخره * إذا ذاقها من ذاقها يتمطق * يصف الزجاجة بغاية الصفاء وأنها تريك القذى قدامها، والحال أنها قدام القذى، والضمير في ذاقها لها باعتبار باقيها على قياس قولك شربت كأسا، يقال ذاق فتمطق: أي صم شفتيه وألصق لسانه بالحنك الأعلى مع صوت، والمداره جمع مدره وهو لسان القوم والمتكلم عنهم، واصله مدرأ، لأنه لفصاحته يدرأ الخصم، والمشاهد مواضع الحضور جمع مشهد، وناقلته الحديث إذا حدثته وحدثك، وناقل الشاعر الشاعر. إذا ناقضه، والأنفة الاستنكاف. انخزل الشئ انقطع. وقوله وهو بينكم وبين أعناق رواحلكم مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام من حديث طويل " والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " وهو مثل في القرب (قوله لما أرشدهم إلى الجهة) أي إلى الطريقة (التي منها يتعرفون) أي يتطلبون المعرفة حتى يصلوا إليها (قوله وما جاء به) عطف على النبي من قبيل أعجبني زيد وكرمه: أي يتعرفون أمر ما جاء به (قوله وامتياز حقه من باطله) أي امتياز كونه حقا من كونه باطلا. وقيل المراد بباطله الباطل الذي ينسبه إليه الكفرة من كونه شاعرا أو ساحرا أو مجنونا، فلا يرد أن أمره فيما جاء به حق كله. فلا معنى لباطله:
والصحيح أن قوله قال لهم الخ، بيان لمآل المعنى وتنبيه على أن فاتقوا النار كما سيصرح به كناية عن التصديق وترك العناد، وقد يتوهم أن مراده أن الله سبحانه رتب على ذلك الإرشاد تكميلا له شرطيتين: إحداهما محذوفة الجزاء، والأخرى محذوفة الشرط. فقوله فإذا لم تعارضوه إلى قوله معجوز عنه إشارة إلى معنى قوله فإن لم تفعلوا، وقوله فقد صرح الحق عن محضه: أي انكشف عن خالصه جواب لهذا الشرط محذوف، وقوله فآمنوا وخافوا إشارة إلى معنى قوله فاتقوا، وهو جزاء لشرط مقدر: أي وإذا صرح عن محضه فآمنوا، وقد أظهر معنى هذا المقدر حيث قال: وإذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد استوجبوا العقاب بالنار، وليس بشئ لأن فاتقوا جواب، فإن لم تفعلوا كما دل عليه قوله فيما بعد ما معنى اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله، وفى قوله فإذا
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»