التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٧٩
للمؤمنين والمتقين، فقال " ولمن خاف مقام ربه جنتان " والمعنى ولمن خاف المقام الذي يقفه فيه ربه للمسائلة عما عمل في ما يجب عليه مما أمره به أو نهاه عنه، فيكفه ذلك عما يدعوه هواه إليه يصبر صبر مؤثر للهدى على طريق الردى. والمقام الموضع الذي يصلح للقيام فيه وبضم الميم الموضع الذي يصلح للإقامة فيه. والجنتان اللتان وعد الله من وصفه بهما قيل هما جنتان: إحداهما داخل قصره والأخرى خارج قصره على ما طبع الله تعالى العباد عليه من شهوة ذلك وجلالته فشوقوا إلى ما في طباعهم شهوة مثله.
ثم وصف الجنتين فقال " ذواتا أفنان " والأفنان جمع (فن) وهو الغصن الفصن الورق، ومنه قولهم: له فنون، وهذا فن آخر أي نوع آخر أي ضرب آخر، وفيه فنون أي ضروب مختلفة، ويجوز أن يكون جمع فن. وقال ابن عباس:
معناه ذواتا ألوان. وقال عكرمة. ظل الأغصان على الحيطان. وقال الضحاك:
ذواتا ألوان يفضل بها على ما سواها " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قد بيناه.
وقوله " فيهما عينان تجريان " اخبار منه تعالى أن في الجنتين اللتين وعدتهما المؤمنين عينين من الماء تجريان بين أشجارها، فالجاري هو الذاهب ذهاب الماء المنحدر، فكل ذاهب على هذه الصفة فهو جار، وصفت بالعين لصفائها أو بأنها جارية لأنه أمتنع لها " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قد فسرناه.
وقوله " فيهما من كل فاكهة زوجان " معناه إن في تلك الجنتين من كل ثمرة نوعين وضربين متشاكلين كتشاكل الذكر والأنثى، فلذلك سماهما (زوجين) وذلك بالرطب واليابس من العنب والزبيب والتين والرطب واليابس، فكذلك سائر الأنواع لا يقصر يابسه عن رطبه في الفصل والطيب إلا أنه امتنع وأعذب بأن يكون على هذا المنهاج. وقيل: فيهما من كل نوع من الفواكه ضربان ضرب
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 ... » »»
الفهرست