التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٦٨
مرج البحرين يلتقيان (19) بينهما برزخ لا يبغيان (20) فبأي آلاء ربكما تكذبان) (21) ثمان آيات بلا خلاف.
يقول الله تعالى إنه " خلق الانسان " وانشائه ويعني به آدم عليه السلام " من صلصال " وهو الطين اليابس الذي يسمع له صلصلة - في قول قتادة - " كالفخار " أي مثل الطين الذي طبخ بالنار حتى صار خزفا " وخلق الجان من مارج من نار " فالمارج هو المختلط الاجزاء، قال الحسن إبليس أبو الجن، وهو مخلوق من لهب النار، كما أن آدم أبو البشر مخلوق من طين. وصف الله تعالى الانسان الذي هو آدم أبو البشر انه خلقه من صلصال. وفي موضع آخر " من طين لازب " (1) وفي موضع آخر " من حمأ مسنون " (2) وفى موضع آخر " خلقه من تراب " (3) واختلاف هذه الألفاظ لا تناقض فيها، لأنها ترجع إلى أصل واحد وهو التراب، فجعله طينا. ثم صار كالحمأ المسنون. ثم يبس فصار صلصالا كالفخار.
وقوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " معناه فبأي نعم ربكما يا معشر الجن والإنس تكذبان؟! وإنما كررت هذه الآية، لأنه تقرير بالنعمة عند ذكرها على التفصيل نعمة نعمة. كأنه قيل بأي هذه الآلاء تكذبان. ثم ذكرت آلاء أخر فاقتضت من التذكير والتقرير بها ما اقتضت الأولى ليتأمل كل واحد في نفسها وفى ما تقتضيه صفتها من حقيقتها التي تتفصل بها من غيرها.
وقوله " رب المشرقين ورب المغربين " تقديره هو رب المشرقين، فهو خبر ابتداء، ولو قرئ بالخفض ردا على قوله " فبأي آلاء ربكما تكذبان " لكان جائزا غير أنه

(1) سورة 27 الصافات آية 11 (2) سورة 15 الحجر آية 26، 28، 33 (3) سورة 3 آل عمران آية 59
(٤٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 463 464 465 466 467 468 469 470 471 472 473 ... » »»
الفهرست