التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٦٣
وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18) وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد (19) ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد) (20) خمس آيات.
يقول الله تعالى مقسما إنه خلق الانسان أي اخترعه وأنشأه مقدرا. والخلق الفعل الواقع على تقدير وترتيب. والمعنى إنه يوجده على ما تقتضيه الحكمة من غير زيادة ولا نقصان. وأخبر انه يعلم ما يوسوس به صدر الانسان. فالوسوسة حديث النفس بالشئ في خفى، ومنه قوله " فوسوس إليه الشيطان " (1) ومنه الواسوس كثرة حديث النفس بالشئ من غير تحصيل قال رؤبة:
وسوس يدعو مخلصا رب الفلق (2) ثم اخبر تعالى انه أقرب إلى الانسان من حبل الوريد. قال ابن عباس ومجاهد: الوريد عرق في الحلق وهما وريدان في العنق: من عن يمين وشمال، وكأنه العرق الذي يرد إليه ما ينصب من الرأس، فسبحان الله الخلاق العليم الذي أحسن الخلق والتدبير، وجعل حبل الوريد العاتق، وهو يتصل من الحلق إلى العاتق هذا العرق الممتد للانسان من ناحيتي حلقه إلى عاتقه، وهو الموضع الذي يقع الرداء عليه لأنه يطلق الرداء من موضعه. قال رؤبة:
كان وريديه رشاخلب أي ليف. وقال الحسن: الوريد الوتين: وهو عرق معلق به القلب، فالله تعالى أقرب إلى المرء من قلبه. وقيل: المعنى ونحن أقرب إليه ممن كان بمنزلة حبل

(1) سورة 20 طه آية 120 (2) مر في 4 / 397
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»
الفهرست