التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٦٨
غير ما كان بقادر عليه فمن جعل مع الله إله آخر فقد صير ذلك الشئ على غير ما كان عليه باعتقاده انه إله آخر مع الله وذلك جعل منه عظيم وذهاب عن الصواب بعيد، فيقول الله للملكين الموكلين به يوم القيامة (ألقياه) أي الرحاه (في العذاب الشديد) والالقاء الرمي بالشئ إلى جهة السفل، وقولهم: ألقي عليه مسألة بمعنى طرحها عليه مشبه بذلك. واصل اللقاء المماسة، والالتقاء من هذا ففي الالقاء طلب مماسة الشئ الأرض بالرمي (قال قرينه ربنا ما أطغيته) قال ابن عباس: قرينه - ههنا - شيطانه. وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك. وسمي قرينه لأنه يقرن به في العذاب، وهو غير قرينه الذي معه يشهد عليه، والقرين نظير الشئ من جهة مصيره بإزائه.
حكى الله عن شيطانه الذي أغواه انه يقول " ما أطغيته " فالاطغاء الاخراج إلى الطغيان، وهو تجاوز الحد في الفساد إطغاء وطغى يطغى طغيانا، فهو طاغ.
والأول مطغى. وقال الحسن: ما أطغيته باستكراه، وهو من دعاه إلى الطغيان.
والمعنى لم أجعله طاغيا " ولكن كان " هو بسوء اختياره " في ضلال " عن الايمان " بعيد " عن اتباعه. ومثله قوله " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " (1) فيقول الله تعالى لهم " لا تختصموا لدي " أي لا يخاصم بعضكم بعضا عندي (وقد قدمت إليكم بالوعيد) في دار التكيف، فلم تنزجروا وخالفتم أمري (ما يبدل القول لدي) معناه إن الذي قدمته إليكم في الدنيا من أني أعاقب من جحدني وكذب برسلي وخالفني في أمري لا يبدل بغيره، ولا يكون خلافه (وما أنا بظلام للعبيد) أي لست بظالم لاحد في عقابي لمن استحقه بل هو الظلام لنفسه بارتكاب المعاصي التي استحق بها ذلك. وإنما قال: بظلام للعبيد على وجه المبالغة ردا لقول من أضاف جميع الظلم إليه - تعالى الله عن ذلك -.

(1) سورة 14 إبراهيم آية 22
(٣٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 ... » »»
الفهرست