التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٢٤٠
" اعتلوه " اعملوا به هذا العمل، ومنه العتل، وهو الجافي الغليظ يقال: عتله يعتله ويعتله عتلا إذا ساقه دفعا وسحبا. قال الفرزدق:
ليس الكرام بنا حليك إباءهم * حتى ترد إلى عطية تعتل (1) و " سواء الجحيم " وسطه - في قول قتادة - وسمي وسط الشئ سواء، لاستواء المسافة بينه وبين أطرافه المحيطة به، والسواء العدل كقولهم: هذا سواء بيننا وبينكم أي عدل.
ثم بين تعالى أنه يأمرهم بأن يصبوا فوق رأس الكافر من عذاب الحميم.
وهو ما فسرناه. ثم يخاطبه فيقول له " ذق إنك أنت العزيز الكريم " على وجه التهجين له بما كان يدعي له مما ليس به أي أنت كذلك عند نفسك وقومك.
ويجوز أن يكون على معنى النقيض، كأنه قيل: إنك أنت الذليل المهين إلا أنه قيل: على تلك الجهة للتبعيد منها على وجه الاستخفاف به. وقيل إن الآية نزلت في أبي جهل، وقد كان قال: (أنا أعز من بها وأكرم) - ذكره قتادة - وقيل:
المعنى أنت الذي كنت تطلب العز في قومك والكرم بمعصية الله. وقيل: المعنى إنك أنت العزيز في قومك، الكريم عليهم، فما أغنى عنك.
ثم قال " إن هذا " يعني العذاب " ما كنتم به تمترون " أي تشكون فيه في دار الدنيا. وفى الآية دلالة على بطلان قول من قال المعارف ضرورة.
وقرأ الكسائي " ذق أنك " بفتح الهمزة بمعنى لأنك أنت العزيز أو بأنك الباقون - بكسر الهمزة - على وجه الابتداء بالخبر عنه، ويكون التقدير ذق العذاب.
ثم ابتدأ إنك. وقرأ " فاعتلوه " - بضم التاء - ابن كثير ونافع وابن عامر. الباقون بكسر التاء وهما لغتان على ما حكيناه.

(1) تفسير الطبري 25 / 73
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»
الفهرست