التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١٩٢
مترفوها) وهم الذين آثروا الترفة على طلب الحجة، وهم المتنعمون الرؤساء (إنا وجدنا آباءنا على أمة) يعني على ملة (وانا على آثارهم مقتدون) نقتدي بهم فأحال الجميع على التقليد للآباء فحسب، دون الحجة، والتقليد قبيح بموجب العقل لأنه لو كان جائزا للزم فيه أن يكون الحق في الشئ ونقيضه، فيكون عابد الوثن يقلد أسلافه، وكذلك يقلد اسلافه اليهودي والنصراني والمجوسي، وكل فريق يعتقد أن الآخر على خطأ وضلال. وهذا باطل بلا خلاف، فإذا لابد من الرجوع إلى حجة عقل أو كتاب منزل من قبل الله، فقال الله تعالى للنذير (قل) لهم (أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم) فهل تقبلونه؟ وفي ذلك حسن التلطف في الاستدعاء إلى الحق، وهو انه لو كان ما تدعونه حقا وهدى على ما تدعونه، لكان ما جئتكم به من الحق اهدى من ذلك وأوجب ان يتبع ويرجع إليه، لان ذلك، إذا سلموا أنه اهدى مما هم عليه بطل الرد والتكذيب، وإذا بطل ذلك لزم اتباعه في ترك ما هم عليه.
ثم حكى ما قالوا في الجواب عن ذلك فإنهم قالوا (انا بما أرسلتم به) معاشر الأنبياء (كافرون) ثم اخبر تعالى فقال (فانتقمنا منهم) بأن أهلكناهم وعجلنا عقوبتهم (فانظر) يا محمد (كيف كان عاقبة المكذبين) لأنبياء الله والجاحدين لرسله.
قوله تعالى:
(وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون (26) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين (27) وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (28) بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست