التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٥٥٤
وقال آخرون: إنما ظن ظنا قويا وهو الظاهر. وقوله " فاستغفر ربه " معناه سأل الله المغفرة والستر عليه " وخر راكعا وأناب إليه " أي رجع إليه بالتوبة.
ثم اخبر تعالى انه أجاب دعوته وغفر له ذلك، وأخبر ان له مع المغفرة عند الله لزلفى، والزلفى القربة من رحمة الله، وثوابه في جنته " وحسن مآب " فالمآب والمرجع والمصير والمال واحد. ومن قال إن ذلك كان صغيرة وقعت مكفرة يقول: معنى قوله " فغفرنا له " بعد الإنابة، وإن كانت الخطيئة غفرت في الدنيا. وقيل: انه خطب امرأة كان أوريا ابن حيان قد خطبها فدخل في سومه، فاختاروه عليه فعاتبه الله على ذلك، لان الأنبياء يتنزهون عن ذلك، وإن كان مباحا لأنه مما ينفر على بعض الوجوه. وقيل: بل انفذ به إلى غزوة، وكان يحب ان يستشهد ليتزوج امرأته لأنهما كانا تحاكما إليه فوقعت امرأته في قلبه واشتهاها شهوة الطباع من غير أن يحدث أمرا قبيحا. وأولى الوجوه ما قدمناه انه ترك الندب في ما يتعلق بأدب القضاء.
لان باقي الوجوه ينبغي ان ينزه الأنبياء عنها لأنها تنفر في العادة عن قبول أقوالهم، فأما ما يقول بعض الجهال من القصاص أن داود عشق امرأة أوريا، وأنه امره بأن يخرج إلى الغزو، وأن يتقدم امام التابوت وكان من يتقدم التابوت من شرطه ألا يرجع إلى أن يغلب أو يقتل، فخبر باطل موضوع، وهو مع ذلك خبر واحد لا أصل له ولا يجوز أن تقبل اخبار الآحاد في ما يتضمن في الأنبياء ما لا يجوز على أدون الناس، فان الله نزههم عن هذه المنزلة وأعلى قدرهم عنها. وقد قال الله تعالى " الله يصطفي من
(٥٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 ... » »»
الفهرست