التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٥١
يفسدون في الأرض ولا يصلحون، فنهاهم الله على لسان صالح عن اتباعهم.
وقال " الذين يفسدون في الأرض " بان يفعلوا فيها المعاصي، ويرتكبوا القبائح " ولا يصلحون " أي لا يفعلون شيئا من الأفعال الحسنة.
فقالوا له في الجواب عن ذلك " إنما أنت من المسحرين " والمسحر: هو الذي قد سحر مرة بعد مرة، حتى يختل عقله ويضطرب رأيه. والسحر حيلة توهم قلب الحقيقة، وقال مجاهد: معناه من المسحورين. وقال ابن عباس: من المخلوقين، لأنه يذهب إلى أنه يخترع على أمر يخفى كخفاء السحر. وقيل:
معناه انك ممن له سحر أي رئة، ومنه قولهم أنتفخ سحره قال لبيد:
فان تسلينا فيم نحن فإننا * عصافير من هذا الأنام المسحر (1) أي المعلل بالطعام وبالشراب، على أمر يخفى كخفاء السحر.
ثم قالوا له " ما أنت إلا بشر مثلنا " أي ليس أنت إلا مخلوقا مثلنا، فلن نتبعك ونقبل منك، وقالوا له " فأت بآية " أي معجزة تدل على صدقك " إن كنت من " جملة " الصادقين " في دعواك، فقال لهم " هذه ناقة " وهي التي أخرجها الله من الصخرة عشراء ترعو على ما اقترحوا " لها شرب " أي حظ من الماء، قال الشاعر:
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت * حمامة في غصون ذات أو قال (2) أي لم يمنع حظها من الماء و (الشرب) - بفتح الشين وضمها وكسرها - تكون مصادرا، على ما قاله الفراء والزجاج، وكانوا سألوا أن يخرج لهم من

(1) مر تخريجه في 1 / 372 و 6 / 485 (2) السان (وقل) وروايته:
لم يمنع الشرب منها غير أن هتفت * حمامة في سحوق ذات أو قال
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست