التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٩
ثم أمرهم فقال " فاتقوا " عقاب " الله " باجتناب معاصيه " وأطيعون " فيما أدعوكم إليه، ولست أسألكم على ما أدعوكم إليه اجرا فيصرفكم عن القبول لأنه ليس أجري وثوابي في ذلك إلا على رب العالمين الذي خلق الخلق. ثم قال لهم يا قوم " أتتركون فيما ههنا آمنين " منكرا عليهم، فان ما هم فيه من النعم لا تبقى عليهم، وانها تزول عنهم وأن أمنهم سيئول إلى الخوف. والامن سكون النفس إلى السلامة، وهو نفيض الخوف. وقد يكون أمنا مع العلم بالسلامة. ومع الظن القوي.
ثم عدد نعمهم التي كانوا فيها، فقال أنتم " في جنات " وهي البساتين التي يسترها الشجر " وعيون " جارية " وزروع " وهو جمع زرع وهو نبات من الحب الذي يبذر في الأرض: زرعه أي بذره في الأرض كما يزرع البذر فالبذر المبدد في الأرض على وجه مخصوص يسمى زرعا " ونخل طلعها هيضم " فالهضيم اللطيف في جسمه، ومنه هضيم الحشا أي لطيف الحشا، ومنه هضمه حقه: إذا ما نقصه، لأنه لطف جسمه ينقصه، ومنه هضم الطعام إذا لطف واستحال إلى مشاكلة البدن. وقال ابن عباس: معنى " هضيم " أي قد بلغ وأينع. وقال الضحاك: ضمر يزكون بعضه بعضا. وقال عكرمة: هو الرطب اللين، وقال مجاهد: هو الذي إذا مس تفتت. وقال أبو عبيدة والزجاج، والفراء: هو المتداخل بعضه في بعض.
وقوله " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين " قال ابن عباس: معناه حاذقين وقال ابن عباس أيضا (فرهين) أشرين بطرين. وقال الضحاك: معناه عليين.
وقال ابن زيد: الفره القوي. وقيل: هو الفرح المرح، كما قال الشاعر:
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست