التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٤٤٤
كيف الرشاد إذا ما كنت في نفر * لهم عن الرشد اغلال واقياد وفي تأويل الآيات قولان:
أحدهما - انه جعل جهلهم وذهابهم عن معرفة الحق غلا وسدا إذ كان المغلول الممنوع من التصرف امامه ووراءه ذاهب عما قد منع منه وحيل بينه وبين الدليل عليه إن الله تعالى لم يجعل الكافر مغلولا في الحقيقة ولا مسدودا بين يديه ومن خلفه ولا في عينه غشاوة، كقوله تعالى * (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في اذنيه وقرا) * (1) شبهه بمن في اذنيه وقر، فعلمنا بهذا التشبيه أنه إنما يريد بوصف الكفار بالوقر والكن والغل والسد التشبيه الذي عناه - ههنا - ولو كان في إذن الكافر وقر على الحقيقة لم يجز تشبيهه بمن في اذنيه وقر، وهو كقولهم للجاهل: حمار وثور، وإنما يريدون المبالغة في وصفه بالجهل، ومعنى (جعلنا) يحتمل وجهين أحدهما - انه كما شبههم بمن جعله مغلولا مقيدا أجرى عليه صفة الجعل بأنه مشبه للمجعول مغلولا مقيدا. والثاني - انه أراد البيان عن الحالة التي شبه بها المغلول المقيد، كما يقول القائل: جعلني فلان حمارا وجعلني ميتا إذا وصفه بالحمارية والموت وشبهه بالحمار والميت وهذا واضح.
والوجه الثاني - في تأويل الآيات انه أراد وصف حالهم في الآخرة، لأنه تعالى يوثقهم في الاغلال والسلاسل، ما قال تعالى * (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه) * (2) وقال * (إذ الاغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) * (3) وقال في السد الذي جعله لهم: فلا يبصرون كما قال * (يوم

(1) سورة 31 لقمان آية 7 (2) سورة 69 الحاقة آية 30 - 31 (3) سورة 40 المؤمن آية 71 - 72
(٤٤٤)
مفاتيح البحث: المنع (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 439 440 441 442 443 444 445 446 447 448 449 ... » »»
الفهرست