التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٣١
(ان كذبوا) وتقديره ثم كان عاقبة المسئ التكذيب بآيات الله، أي لم يظفر في شركه وكفره إلا بالتكذيب، ويكون السوء على هذا نصبا على المصدر في قوله " وعد الله " نصب على المصدر، وتقديره: إن ما ذكره الله تعالى من أن الروم ستغلب فارس في ما بعد، وعد وعدا لله لا يخلف وعده، وتقديره وعدا لله وعده كما قال الشاعر:
يسعى الوشاة جنابيها وقيلهم * إنك يا ابن أبي سلمى لمقتول (1) أي ويقولون: قيلهم، والاخلاف فعل خلاف ما تقدم الوعد به، وسبيل الوعد بالخير والوعيد بالشر واحد في أنه إذا وقع فيه خلاف ما تضمنه كان خلفا، ثم قال " ولكن أكثر الناس لا يعلمون " صحة ما أخبرناك به لجهلهم بالله وتفريطهم في النظر المؤدي إلى معرفة الله، ولا يناقض قوله " لا يعلمون " لقوله " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا " لان ذلك ورد مورد المبالغة لهم بالذم لتضييعهم على ما يلزمهم من أمر الله، كأنهم لا يعلمون شيئا. ثم بين حالهم في ما عقلوا عنه، وما عملوه. ومعنى " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا " أي عمران الدنيا متى يزرعون ومتى يحصدون، وكيف يبنون ومن أين يعيشون وهم جهال بأمر الآخرة، وله مضيعون - ذكره ابن عباس - أي عمروا الدنيا واخربوا الآخرة. والظاهر هو الذي يصح ان يدرك من غير كشف عنه. فالله تعالى ظاهر بالأدلة. باطن عن حواس خلقه. والأمور كلها ظاهرة له، لأنه يعلمها من غير كشف عنها ولا دلالة تؤديه إليها. وكلما يعلم بأوائل العقول ظاهر وكلما يعلم بدليل العقل باطن، لان دليل العقل يجري مجرى الكشف عن صحة المعنى - في صفته - والغفلة ذهاب المعنى عن النفس كحال النائم، ونقيضه

(1) مر هذا البيت في 1 / 300 و 5 / 388
(٢٣١)
مفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 ... » »»
الفهرست